كتاب سبر

جاسم السعدون في مقال ساخن: إنقاذ الوطن أصبح هو الضرورة


حذر  الكاتب جاسم خالد السعدون الحكومة من القراءة الخاطئة لما يجري في الساحة المحلية ، كما حدث لزعماء دول الربيع العربي من البطانة التي هونت لهم الامر .

وكتب السعدون  مقالا ساخنا تحت عنوان ” إنقاذ الامة هو الضرورة”، قال فيه: 

عندما خرج مليون متظاهر إلى ميدان التحرير في مصر في يناير 2011، يبدو أن الرئيس حسني مبارك قرأ الحدث بشكل صحيح، وفهم أن الوضع خطير، وعندما أفصح عن خوفه لبطانته، ضحك معظمهم على قراءته الخاطئة.
 حجتهم التي رغب في تصديقها كانت، أن من خرج مليون مصري فقط من أصل 85مليون مصري، أي أكثر قليلاً من 1%، بينما ظل نحو 99% أو نحو 84مليون مصري محبين ومؤيدين لسيادتكم، وتكفي عريضة المليون الموقعين بالدم لتوريث جمال حسني مبارك، دليل حب ووفاء.
وعندما خرج الليبيون بدءاً من بني غازي ضد الرئيس معمر القذافي، خرج قائد الثورة عليهم في الميدان الأخضر، وخطب قائلاً، بأن كل الشعب الليبي يحبه، وأنه لا يملك سلطة أو منصب حتى يستقيل منه، وأن خصومه ليسوا سوى حفنة من “الجرذان المقملة”، لقد كانت المؤشرات واضحة، ولكن القراءة كانت خاطئة.
وعندما توفي الرئيس السوري حافظ الأسد، وكان الرئيس بشار الأسد دون السن القانوني ليصبح رئيساً، إجتمعت لجنة تعديل الدستور في مجلس الشعب السوري المكونة من23 عضواً لمدة 25 دقيقة، وأقرت تعديل الدستور بخفض سن الرئيس. وعندما كان الأمل كبيراً في إيجاد مخرج سياسي للأزمة السورية، اجتمع الرئيس الأسد بمجلس الشعب، وكان مجلس “هتيفة”، حتى أن أحدهم هتف بأن سوريا صغيرة على الرئيس الذي يصلح لرئاسة العالم، وجاءت القراءة الخاطئة للمؤشرات، وها نحن نعيش وضع سوريا المأساوي.
مع كل تلك الأحداث، مضافاً إليها اليمن وتونس وغيرهما، وما سوف نشهده لاحقاً، كانت الكويت استثناء من الربيع العربي، ذلك صحيح بسبب موروثها الديمقراطي على هشاشته، وكان الأمل هو قراءة الكويت تلك المؤشرات بشكل صحيح، وتعزيز بنائها الديمقراطي. ففي الديمقراطيات، هناك طريق واحد آمن، وهو ترك صناديق الاقتراع تعكس سلمياً أثر تلك المتغيرات، وتهضمها صحياً بمرور الزمن، ودون تدخل غير مشروع، سافر أو مبطن، لحرف مسارها. ذلك لم يحدث في الكويت، ومع الاحترام للجميع، استعاضت الحكومة عن صناديق الاقتراع، بجمع بعض وجهاء القبائل وبعض الملالي والسادة، وبعض الدواوين، للإيحاء بضخامة التأييد، واكتساب شرعية لا نزاع حولها في دولة مدنية ديمقراطية. والواقع أن ما فعلته، كان نتيجة نصح خاطئ، ليس بعيداً عن النصح الخاطئ الذي تلقاه الزعماء العرب السالف ذكرهم، وهي قراءة خاطئة للأحداث، ونتائجها ستكون حتماً وخيمة.
نتيجة القراءة الخاطئة، والنصح الأعوج بالتبعية، كانت ولادة الانقلاب الرابع على الدستور والأول منذ الغزو والتحرير الأسبوع الفائت، بإصدار ونشر قانون الضرورة بتعديل قانون الانتخابات، وخلاصته اللعب في عدد الأصوات لكل ناخب بخفضها إلى الربع، أي من4 إلى 1. وهو قانون غير دستوري، ليس لأن حالة الضرورة لا تنطبق عليه، وذلك قول صحيح، ولكن، لأنه استفراد بالسلطة وتدخل سافر لتشكيل مجلس أمة يتوافق مع تشكيل الحكومة الثابتة، خلافاً للمبدأ الديمقراطي، وهو غير دستوري حتى لو زاد المرسوم حق الناخب في التصويت لعشرة مرشحين.
والحجة الوحيدة التي قدمت لتسويقه هي، أنه يظل من حق مجلس الأمة القادم إلغاءه، وأن هناك سابقة مماثلة في عام 1981، والحجة باطلة من أساسها، وهي أكثر بطلاناً وخطراً إذا وفقنا في قراءة التغيرات التي حدثت في العالم والإقليم خلال جيل كامل، أو ثلاثين سنة تفصل عام 1981 عن عام 2012. فهي باطلة وغير دستورية حتى وإن أقرها مجلس الأمة بالإجماع في ذلك الحين، وبالإجماع في المستقبل، فأي مجلس يأتي من رحم إجراء غير دستوري هو مجلس غير دستوري ولا يحق له تثبيت إجراء غير دستوري. ويبقى الخطر الأكبر، هو في القراءة الخاطئة للمتغيرات السياسية، فالواضح أن الحكومة الكويتية فقدت تماماً قرون الاستشعار بعدم دعوتها لانتخابات عامة بعد إبطال مجلس عام 2012، وفقدت النظر عند اللجوء إلى المحكمة الدستورية لتحصين قانون الانتخابات، وفقدت السمع والنطق والتذوق، عند إصدارها لقانون الضرورة بتعديل قانون الانتخابات بعد تحصينه، فلم تعد تملك أي من الحواس الخمس، وتظل
رشيدة.
فخلال ثلاثون سنة، تغير العالم بأكمله إلى الأفضل، فبعد أن كان نصف العالم بلا دساتير -المعسكر الاشتراكي-، وكان معظم الإقليم العربي حكام بلا شعوب، أصبح عالمنا اليوم عالم آخر تماماً. وفي عام 1981المختلف والرديء، احتاجت الحكومة إلى صرف 150مليون دينار كويتي لشراء الأسهم من الناس، وكانت رشوة عام 1978من أجل تمرير مقترح تنقيح الدستور من خلال لجنة حكومية، ورغم ذلك، رفضت اللجنة الحكومية مقترح التنقيح الحكومي. وفي عام 1981، وكان خامس سنة من عمر الإنقلاب الثاني على الدستور، وضمن أوضاع العالم والإقليم غير الديمقراطية، هناك من وهنت عزيمته، وأراد الحياة النيابية بأي ثمن، وكان خطأ، ولكنه حدث. وفي عام 1981، نشطت الحكومة في خرق القانون، وشرعنت شركات ورق، وعاش معظم الناس حلم الثراء الفاحش، وفي هوس عسل المناخ، مررت الحكومة قانون تفتيت الدوائر، وكان حصاده السياسي بسوء حصاد أزمة المناخ الاقتصادي. وفي عام 1981، كانت حرب مجنونة مستعرة بين العراق وإيران، تطرق الحدود الكويتية، وكان الخوف مبرر البعض في تمرير ما هو غير دستوري لشراء استقرار واهم. وفي عام 1981، لم تكن الكويت قد مرت بالانقلاب الثالث على الدستور في عام 1981، وكانت حصيلته حراك دواوين الاثنين وبعض جراحها لم يندمل بعد. ولم تمر الكويت بتجربة المجلس الوطني المسخ والذي أخذ اسمه تيمناً باسم المجلس الوطني المسخ الآخر لدى جار الشمال، أو مجلس صدام حسين. وفي عام 1981، لم تخبر الأسرة وفاءاً مثل وفاء شعبها الذي التف حولها في مؤتمر جدة بعد أن طالب الرئيس الفرنسي حينها “فرانسوا ميتران” بإعطاء الحق للشعب الكويتي بالاستفتاء على بقائها من عدمه. وفي عام 1981لم يكن المعسكر الاشتراكي بكامله ساقطاً، ولم يبدأ حراك الربيع العربي في دول حكامها طواويس، ومجالسها النيابية إمعات وينتخبون بنسبة 99% على هوى حكوماتها الفاسدة.
قبل نصف قرن، بدأت الكويت مشروع الدولة، ودخلت حقبة صراع داخلي مرير ومدمر، بين مؤيدي المشروع، والأقوياء الراغبين بوأده، ثم تأتي كل تلك الأحداث، ودون استثناء واحد، لتقول بأن خيار مشروع الدولة كان الخيار الصحيح، فتقرر بمشروع قانون ضرورة العودة عنه، وهو مشروع انتحار، ووقفة واجب. ويفصلنا أقل من شهر واحد، بعدها سندخل حتماً نفقاً مظلماً، فالمؤكد أن مجلساً وطنياً جديداً سيولد، وفيه سيكون هناك أكثر من هتيف، وسوف يرشح هتيفته رئيس وزرائنا القادم ليدير أزمة العالم الاقتصادية وليس فقط مشروع التنمية المحلي، ولكن فساد القبيضة قادم، والصدام العنيف وغير المحتمل، حتماً قادم. وقراءة تلك المتغيرات تفضي إلى نصح قاطع ومخلص باستمرار الكويت استثناءاً من أحداث الربيع العربي، ولكن ناصحوا الحكومة صنفان، صنف صادق، وله نصف أجر، فتلك حدوده وخلاصة رؤيته الخاطئة، وصنف لا يهتم حتى لو انتحر وطن، فالأهم هو الجائزة أو المصلحة على المدى القصير.
لقد أصبح الوطن في مأزق، ومهما بلغت تكاليف الحاضر حتى الآن، يبقى الحصيف من يفهم أنها ستكون لا شيء تقريباً أمام تكاليف المستقبل، ومن أجل وطن، تبقى الشجاعة والحصافة هي في القدرة على وقف نزف قادم غير محتمل. والضرورة التي لا تحتمل الانتظار، هي في سحب كل قوانين الضرورة باستثناء قانون الموازنة العامة، وفتح حوار لا يمس المبادئ، أي لا يطال تقسيم الدوائر وآلية التصويت بأربعة أصوات، ولكن، يضمن أولوية نقاش مقترح الحكومة بتعديل قانون الانتخابات في مجلس الأمة القادم بتعهد من القوى والتكتلات السياسية مهما كانت نتائج الانتخابات القادمة. وعلينا جميعاً، دعم أي توجه للحوار ضمن احترام المبادئ الدستورية، وعلينا جميعاً نبذ أي فصيل سياسي يتكسب من حصيلة التوافق في حملاته الانتخابية إن تحقق ذلك التوافق، فما لم يحدث ذلك، أي التوافق وتقدير لشجاعة من حققه، الجميع خاسر، فنحن جميعاً سوف نخسر وطنًا أحببناه.
جاسم خالد السعدون