كتاب سبر

رغبات متوحشه

تمر الكويت بمرحلة سياسية استثنائية لم نكن لنتصور منذ بضعة أشهر فقط أن نصل لها في يوم من الأيام. فالشعب قد انقسم ما بين معارض وموال وصامت، ولكل منهم قناعاته الخاصة بما يجب القيام به، ورغم اختلاف مواقف كل هؤلاء، إلا أنهم يشتركون في خاصية واحدة ألا وهي “الثبات على الموقف”. 
فالغالبية العظمى من القوى المعارضة تتكون من أفراد لا يجمعهم حزب أو تيار سياسي لكنهم شاركوا بكل عفوية وبدافع حسهم الوطني للتعبير عن رفضهم مرسوم الضرورة المتضمن تعديلا جزئيا لقانون الانتخاب، وغاية طموح هؤلاء هو أن تتم الدعوة لانتخابات برلمانية بآلية التصويت المعتمدة قبل حل مجلس الأمة. لكن تعسف السلطة التنفيذية في استخدام القوه وتعمد إهانتها للمتظاهرين جعل قوى المعارضة تحث على المزيد من التأجيج والتصعيد دون احتساب العواقب والأضرار، فالموضوع قد أصبح بالنسبة لهم “رد اعتبار شخصي” يشتمل على عدة مفاهيم كالحرية والكرامة والمواطنة والظلم.
أما شريحة الموالين للسلطة التنفيذية فهي تضم كل تعيس حظ شاءت الأقدار أن يصبح من أهل الحظوة والنفوذ بسبب الحكومة، وتشتمل أيضا على بعض كبار التجار المستفيدين من استمرار الفساد، فهؤلاء يقدمون دعمهم وتأييدهم لكل خطوة باتجاه قمع المعارضة. وتضم هذه الشريحة أيضا “طلاب الود الحكومي” من الذين يرغبون بأن يطالهم نعيم رضاها ودنانير خزائنها، وأعداد هؤلاء في ازدياد ملحوظ مع كل خطوة جديدة تتم لقمع المتظاهرين تحت مسمى “فرض هيبة الدولة”. وهناك نسبة قليلة من السذج أصحاب القلوب الطيبة الذين لا يتكلفون عناء التقصي والبحث في أسباب الاستياء الشعبي، بل يكتفون بمقولة “الحكومة أبخص”.
أما الصامتون فمنهم من يخشى أن يصرح برأيه فيخسر أحد الأطراف، وهؤلاء من أصحاب المصالح لديهم مهارة عالية في إمساك العصا من منتصفها. وما بين معارض وموال وصامت. ضاعت الحكمة وطار العقل وتطاير شرار القنابل الصوتية وضرب الناس و”تشربكت” الخيوط وقذفت القنابل المسيلة للدموع وازدادت الأمور تعقيدا. فكل الأطراف أصبحت أكثر تمسكا بآرائها وأكثر استعدادا للنضال سواء الحكومة أو المعارضة. فلكل منهم صوره نهائية كونها عن الأزمة ولكل منهم قناعاته التي لا يمكن الآن زعزعتها. فهل سنصل لمرحلة إطلاق الرصاص الحي إذا ما زاد غضب الشارع؟
لا أود ذلك بتاتا، لكنني لا أستبعد حدوثه، فهناك شياطين تسوق فكرة “التدخل الخارجي الداعم لقوى المعارضة” ورغم سذاجة هذه الفكرة وسخافتها إلا أن زيادة أعداد المؤمنين بها من جماعة “الموالاة” المقربين من السلطة التنفيذية قد تكون كافية مع مرور الوقت لتبرير رغباتهم المتوحشه بالقتل والحبس والتعذيب بحجة الحفاظ على الحكم وإنقاذ كيان الدولة. والله الحافظ والمستعان
(تنشر بالتزامن مع الشرق القطرية)
@abdulaziz_anjri