محليات

الكويت تحتفل بمرور 50 عاما على إصدار الدستور

(تحديث) تحتفل دولة الكويت اليوم بمرور 50 عاما على إصدار “الدستور” والذي تم في عهد المغفور له بإذن الله تعالي الشيخ عبد الله السالم رحمه الله  بتاريخ 11/11/ 1962  ويعتبر إصداره ثمرة العقد الاجتماعي الذي ارتضاه الشعب الكويتي منذ نشأة الكويت، ومعبرا عن إرادة الحاكم والمحكوم في العيش معا تحت مظلة الشورى والديمقراطية وبناء دولة القانون.  

 وسبق إقرار الدستور خطوات تعكس حرص أهل الكويت علي اختيار من يمثلهم أفضل تمثيل إذ بايع الكويتيون صباح الأول ليكون حاكما لهم بالتراضي والمشورة وواصلوا عبر السنين التشاور والتباحث فيما بينهم للوصول إلي نمط سياسي واجتماعي ينظم العلاقة فيما بينهم وتكلل هذا الأمر في تشكيل أول مجلس شورى عام 1921، وتلاه مجلس تشريعي منتخب عام 1938، فيما استمرت المجالس النوعية التي نشأت في عقود الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات كالمعارف والبلدية حتى وقت قريب من نهاية عقد الستينيات ثم تكللت هذه المسيرة بالمصادقة على دستور عام 1962 .   

وبذل الآباء المؤسسون جهودا جبارة للوصول إلي هذا الدستور بالحكمة والتشاور وإبداء الرأي والرأي الأخر مما مهد الطريق لدستور ارتضاه الجميع ليكون عقدا حاكما بينهم وتشهد المناقشات التي جرت أبان إصداره ومن خلال “المجلس التأسيسي ” علي حكمة من شاركوا في إصداره ونظرتهم المستقبلية للكويت وأبنائها من خلال مواد الدستور التي تكفل الدولة بموجبها التعليم والصحة والعمل للمواطن، كما تضمن له المساواة والعدالة في الكرامة الإنسانية والحقوق والواجبات وهي مكتسبات طبيعية أصيلة لا يمكن فصلها من حياة الأفراد، إضافة إلى أنها تعزز من دور الدولة الايجابي تجاه المواطن.

وحرص الدستور أيضا على إضفاء الهوية العربية والإسلامية على الدولة والمجتمع في العديد من مواده الأمر الذي يظهر حرص الآباء على أن تكون الكويت فاعلة في محيطها العربي والإسلامي والدولي الأمر الذي يعني سعة رؤية المؤسسين  للدور الخارجي للدولة.

ويعتبر الدستور الكويتي الإطار المرجعي للعلاقات السياسية بين الحاكم والمحكوم بشكل عام كما أن مواده تتيح التعديل والتنقيح وفقا لإرادة الأمة وسمو الأمير ، الأمر الذي يعكس ديمقراطية الأسرة الحاكمة وطبيعتها القابلة للتعاطي السياسي المرن مع الشعب.

أعد هذا الدستور المجلس التأسيسي المكون من واحد و ثلاثين عضواً , المنتخبون منهم عشرون عضواً و الباقي هم الوزراء المعينون ,و تم تشكيل لجنة وضع الدستور والتي تكونت من 5 أعضاء ترأسها رئيس المجلس التأسيسي عبد اللطيف ثنيان الغانم يرحمه الله.

قام أعضاء اللجنة بصياغة دستور الكويت الدائم والمعمول به حتى الآن بمشاركة من عدد من كبار الخبراء الدستوريين من مصر ، وصدق عليه الشيخ عبد الله السالم من دون أي تعديل , وهو دستور مكتوب ودونت أحكامه في وثيقة مكتوبة , وإجراءات تعديله تتطلب موافقة الأمير وثلثي أعضاء مجلس الأمة , وإذا رفض أحد الطرفين يعد رفضاً لاقتراح التعديل ,و تم إلحاق مذكرة تفسيرية شارحة لنصوص الدستور و هى ملزمة في تفسير الدستور .

ينقسم الدستور الكويتي إلى خمسة أبواب تضم 183 مادة تضع النظام الأساسي للديمقراطية ونظام الحكم في الكويت و تحكم هذه المواد العلاقة بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية.

يقوم الباب الأول في الدستور والذي يضم 6 مواد بشرح خصائص الدولة ونظام الحكم و يؤكد هذا الباب انتماء الكويت للوطن العربي و الإسلامي، كما يؤكد على استقلالية الكويت. و تحصر المادة الرابعة الحكم في ذرية الشيخ مبارك الصباح، على أن يكون الحكم في الكويت ديمقراطي السيادة فيه للأمة وذلك ضمن الصلاحيات الواضحة في الدستور.

ويشدد الباب الثاني من الدستور على المقومات الأساسية للمجتمع الكويتي كالعدالة الاجتماعية وحق التعليم. وحدد هذا الباب دور الدولة في رعايتها للصحة والتعليم والفنون والآداب والبحث العلمي و صيانة النشء.

يرسم الباب الثالث الحقوق و الواجبات العامة و يسرد هذا الباب حقوق المواطن الكويتي والتي ترتكز على مبدأ الحرية والمساواة وكفل الدستور حرية الاعتقاد والرأي ضمن احترام النظام العام.

ينقسم الباب الرابع إلى خمسة فصول تضم معظم مواد الدستور وتنظم مواد الباب الرابع العلاقة بين السلطة التشريعية و المتمثلة بمجلس الأمة ، والسلطة التنفيذية (حكومة دولة الكويت)، والسلطة القضائية . كما يشرح الفصل الأول من هذا الباب صلاحيات رئيس الدولة.

يحتوي الباب الخامس على 10 مواد تشرح بعض الأحكام العامة وأحكام مؤقتة انتهت بتطبيق القانون. كما تشرح المادة 174 نظام تنقيح أو تعديل مادة من مواد الدستور .
تحتفل دولة الكويت غدا بمرور 50 عاما على المصادقة على دستور البلاد في مناسبة ربما تختزل تاريخ تلك الدولة في مراحل ما قبل وبعد الاستقلال وحتى هذا اليوم.
ففي الحادي عشر من نوفمبر عام 1962 أصدر الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح دستور الكويت ليبقى شاهدا على ميلاد جديد لدولة وشعب مستعد لمواكبة العوالم المتقدمة بفضل 183 مادة أصبحت منهجا متكاملا لحياة الكويتيين.
ولدستور الكويت قصة طويلة سطرها رجال يشار إليهم بفخر واعتزاز بدأت منذ أن طلب الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم من الوجيه عبدالله ثنيان الغانم الاشراف على وضع مشروع للدستور .
واثر ذلك صدر القانون رقم 1 لسنة 1962 الذي دعا إلى انتخاب مجلس تأسيسي تنطلق مهامه لوضع دستور للبلاد يبين نظام الحكم على أساس المبادئ الديموقراطية المستوحاة من واقع الكويت وأهدافها .
وفي الجلسة السادسة للمجلس التأسيسي وتحديدا في الثالث من مارس 1962 تم انتخاب لجنة الدستور حيث ضمت نخبة من رجالات الكويت المشهود لهم بالنزاهة والسيرة الحسنة بين أوساط الكويتيين .
وعقدت هذه اللجنة 23 جلسة تخللها سجال طويل لم يخل من الاختلافات والنقاشات المنصبة على الطبيعة القانونية و الاخلاقية التي يجب أن تكون عليه مواد الدستور المزمع إعداده لتلك الدولة المدنية الناشئة .
وفي 27 أكتوبر 1962 كانت اللجنة قد فرغت من إعداد مشروع الدستور و أحالته في ذلك اليوم إلى المجلس التأسيسي لمناقشته و اقراره.
ووافق المجلس بالإجماع على مشروع الدستور بعد مناقشته بعناية حيث وجه رئيس المجلس عبداللطيف ثنيان الغانم كلمة قال فيها ” يسعدني أن أكرر و أسجل أنه برغم ما احتدم أحيانا كثيرة في لجنة الدستور أو جلسات المجلس من مناقشات واختلاف بالرأي فان ذلك لم ينل في قليل أو كثير من تماسكنا كزملاء وتعاوننا كحملة رسالة وحفاظ أمانة نؤديها لجيلنا والأجيال المقبلة” .
وتجدر الاشارة إلى الدور الإيجابي الذي لعبه الوزراء غير المنتخبين من الاسرة الحاكمة حينما قرروا عدم المشاركة في التصويت على الدستور وذلك لضمانة أن يكون هذا الدستور نتاج إرادة أعضاء مجلس الأمة المنتخبين .
ويمثل الدستور الكويتي مكسبا حضاريا مهما لما يحمله من مواد تركز على القيم الانسانية بصورة لافتة فقد وضع الدستور أساسا مستقرا لنظام الحكم الديمقراطي ومكن من كفل الحريات العامة وضمن الحقوق المدنية وحدد أسس النظام و الدولة و المجتمع و نظم هيئات الحكم في إطار مبدأ فصل السلطات الثلاث .
ويحوي دستور الكويت 183 مادة متوزعة على خمسة أبواب كان نصيب الباب الأول المتعلق بالدولة ونظام الحكم ست مواد أما الباب الثاني المعنون (المقومات الأساسية للمجتمع الكويتي) فقد تضمن 20 مادة والباب الثالث (الحقوق والواجبات العامة) 23 مادة.
وضم الباب الرابع المعنون (السلطات) وهو الباب الأكبر في الدستور الكويتي 121 مادة موزعة على خمسة فصول في حين ضم الباب الخامس (أحكام عامة وأحكام مؤقتة) ديباجة دستور الكويت . وعلى الرغم من أن دستور الكويت نص على الا يجوز تنقيحه إلا بعد خمس سنوات وفقا للمادة 174 فانه يعد من الدساتير الجامدة من جهة أن اي تعديل يتم عليه يحتاج إلى إجراءات معقدة حيث تذكر المادة نفسها أن “للأمير ولثلث أعضاء مجلس الأمة حق اقتراح تنقيح هذا الدستور بتعديل أو حذف حكم من أكثر من أحكامها أو بإضافة أحكام جديدة إليه فإذا وافق الأمير و أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس الأمة على مبدأ التنقيح وموضوعه ناقش المجلس المشروع المقترح مادة مادة و تشترط لإقراره موافقة ثلثي الأعضاء الذي يتألف منهم المجلس ولا يكون التنقيح نافذا بعد ذلك إلا بعد تصديق الأمير عليه وإصداره و ذلك بالاستثناء من حكم المادتين 65 و 66 من هذا الدستور . وإذا رفض التنقيح من حيث المبدأ أو من حيث موضوع التنقيح فلا يجوز عرضه من جديد قبل مضي سنة على هذا الرفض”.
وأخذ الدستور الكويتي طابعا تعاقديا حيث بدا طرفا العقد بصورة جلية في ديباجته وهما الأمير وممثلو الشعب مما خلق من هذه الصيغة مسؤولية مشتركة لخدمة تقدم البلاد والدفع باستمرار الدولة بطابعها الديموقراطي .
وبدا واضحا أن كل من شارك في صياغة وصناعة هذا الدستور كان حريصا على أن لايخرج في مفاهيمه وقيمه عن الطابع العربي والاسلامي المرتبط بعقيدة وجذور المجتمع الكويتي حيث نصت المادة الثانية على أن ” دين الدولة الاسلام والشريعة الاسلامية مصدر من مصادر التشريع” كما نصت المادة الثانية على أن”لغة الدولة الرسمية هي اللغة العربية” في حين حددت المادة الأولى من الدستور أن “الكويت دولة عربية مستقلة ذات سيادة تامة”.
ولعل روح الدستور وقيمه ومفاهيمه قد انعكست على حياة المواطن الكويتي بما منحه من مساحة واسعة من الحرية وضمان المساواة والعدالة باعتبار أن “العدالة والحرية والمساواة دعامات المجتمع والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين ” وفقا للمادة السابعة من الدستور .
ولم يغفل المشرع الكويتي دور الأسرة بوصفها أساس وركيزة المجتمع كما تذكر المادة التاسعة من الدستور وبناء على ذلك تم استصدار قوانين متعددة لضمان حمايتها ودفعها بعيدا عن التفكك معولا على أهمية غرس قيم الدين والأخلاق وحب الوطن .
وقدمت الدولة بما تضمنه الدستور كفالة تامة للمواطنين “في حالة الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل ” وفقا لما تضمنته المادة 11 من أحكامه وتبين تطبيق ذلك جليا بما أقامته الدولة من خدمات ورعاية للنشء والشباب وكبار السن وخدمات التأمين الاجتماعي والمعونة الاجتماعية والرعاية الصحية.
وختاما فان دستور 1962 الذي تحتفل به البلاد اليوم بمناسبة ما هو إلا قصة طويلة من التطور التاريخي والسياسي للكويت كان قد أنهاها الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح حينما سأل الحضور أثناء التصديق عليه حول ما إذا كان كان هذا مايريده الشعب ووقع على الدستور في اليوم نفسه ودون تردد رغم أنه كان لدية مهلة شهر للمصادقة عليه.