آراؤهم

ضع العمامة واحكم !!

الأوضاع مضطربة في القرية والكل مترقب للأحداث القادمة، وأهل القرية بين مؤيد ومعارض ومشارك ومقاطع، أحاديث وتكهنات في المجالس والمساجد حتى في الحانات.
بهذه العبارة ابتدأ السلطان حديثه في مجلسه المسمى ( دار سلمى )الذي ضم وجهاء وعلماء القرية، في الوقت الذي لا تزال طائفة من أبناء القرية من مختلف المشارب والمذاهب في تظاهر مستمر، ومسيرات تجوب الشوارع معترضين على قرارات السلطان الأخيرة .
وبين فترة وأخرى تتواتر أخبار المجلس، وبينما خاطري متردد لطلب كأس أخرى، إذ دخل علينا رجل يسرد بعضاً من تلك الأخبار قائلاً: صدق يحيى ورب الكعبة، ضع العمامة واحكم !!!
فقلت له أخبرنا ما الذي حدث وما الذي قاله يحيى، قال الراوي:
كان مما قاله السلطان : إن الشعب منكر لمحاسن أفعالي وجميل أفضالي، وقد صبرت كثيراً على تماديهم وخاصة هؤلاء الشرذمة الذين يزرعون الفوضى مزعزعين أمن القرية، وسأردعهم بكف من حديد في قابل الأيام، فما قولك يا نبيل القرية.
نبيل القرية: أمد الله في عمر سلطاننا، وأنتم أهل المعرفة والحنكة التي ذاعت آفاق البلاد وأسماع العباد، فلا تلق بالاً لصبية يعبثون، ونحن على العهد باقون وبك متمسكون.
قال الراوي: فاتبع إمام القرية النبيل قائلاً : 
السلطان خليفة الله في أرضه، وطاعته واجبة بالنصوص المتواترة، وهو رأي لا خلاف فيه، فلا تلتفت يا مولاي للفتاوى الشاذة الصادرة عن الجهلة والمتفيهقة، وإن شئت أصدرت فتوى أمنع بها بعثهم وعصيانهم، بجلد ظهورهم وأخذ أموالهم.
فإذا بالراوي يعتدل في جلسته فقال :
ثم ظهر بين الحضور شاب القرية الوقور يحيى طالباً الحديث قائلاً: 
يا صاحب الدار، فالتفت الحضور للراوي بدهشة كالذين كانوا في الدار مستغربين جرأته بقوله:
يا سيدي إن من سبقني بالكلام قد رسموا لك رسماً ناقصاً كما يعبر المناطقة، إن أهل القرية في ضيق من إهانة المتكررة لهم بلسانك وفعلك، وهم لا يريدون مالاً إنما يريدون كرامتهم.
إن خصلة سلب كرامة الشعوب وأخواتها مما تفسد قلوب الرعايا على ملوكها.
فقاطعه السلطان بغرور: وما هي أخواتها يا حكيم القرية !!
قال يحيى: هضم الحقوق وأكل أموالهم بالباطل، فبذلك تفسد النيات والطبائع وكان كما قال الأول
بالملح نصلح ما نخشى تغيره.        فكيف بالملح إن حلت به الغير
يا صاحب الدار: إن أهل القرية هم مصدر سلطانك، والله ما أعطاك القدر عليهم إلا لتصبر عليهم فتشكر حسناتهم وتغمد سيئاتهم، وأي شيء أوجه لك عند ربك من أن تكون أيامك أيام عدل وإنصاف وإحسان، واعلم أنه ليس فوق رتبة السلطان العادل رتبة، وليس دون رتبة السلطان الجائر رتبة لعموم خير الأول وشر الثاني، فمن خير العادل قيام رعيته الوزن بالقسط، وأن يتعاطوا الحق فيما بينهم، والتزامهم قوانين العدل حتى يموت الباطل وتذهب رسوم الجور وتنتعش قوانين الحق، ومن شر الجائر، انتشار الجور في البلاد حتى تعم العباد، فترق أديانهم، وتضمحل مروءتهم، وتذهب أماناتهم، فيمسكون الفضل الموجود ويتناحرون على المفقود.
فيا صاحب الدار ضع العمامة واحكم، وانزع عنك رداء الغرور، فقد احتجبت عن الرعية بالحجاب والأبواب، وجعلت دونهم بروجاً مشيدة، وحظائر بالحجارة والماء والطين مانعة، وباب الله مفتوح للسائلين ليس هناك حاجب ولا بوّاب.
فخرج يحيى من الدار وهو يقول: ضع العمامة واحكم، ضع العمامة واحكم.