آراؤهم

بلاسيبو!

توجهت مسرعاً لرؤيته بسبب ألم في صدره وصداع شديد.. قال لي بأن الألم لايزال بالرغم من تناول المسكنات.. وطلب مني أن أعطيه دواءً معيناً.. فأدركت بأن هدفه تناول الدواء لما له من تأثيرات تشبه تأثير المخدرات والمنشطات.. فقمت بإقناعه بأني سأعطيه مخدراً قوياً يمتد مفعوله ل6 ساعات.. زال الألم بعد أقل من دقيقة! لم أقم بحقنه إلا ب2ملم من الماء أو مايسمى طبيا “نورمال سلاين”.. نعم.. فهذا طريقة للعلاج يستخدم فيها أي دواء عديم الفعالية.. له أثر نفسي فعال.. ويسمى طبيا “بلاسيبو”!
سألت نفسي: كم مرة في السنة أو في الشهر يقوم الآخرين بإعطائنا “البلاسيبو”؟ كم من الأمور الكاذبة التي نقنع بها أنفسنا لنعيش تلك اللحظات القليلة من النشوة؟ أفكار تافهة لا تحمل اي قيمة علاجية تفرض علينا ونتقبلها ونرضى بها لأن قائلها قد حقنها في عقولنا مستخدما سلطته السياسية أو أمور خاطئة ربانا عليها ولا يجب مخالفتها لأنها أصبحت من الاعراف التي لايجب قول لا في وجهها.. وأحيانا كثيرة يقوم البعض بتخديرنا بعد أن يغلف كلامه بالسلطة العليا سلطة الدين فيجعلك تتحمل الألم والعذاب بحجة اصبر جزاك الله خير! وإن لم تفعل فالنار مثواك!
كثيراً بل غالباً مانلجأ للبلاسيبو فهكذا هي الحياة لابد لنا أن نصطنع لأنفسنا قليلاً من الأمل بين فترة وأخرى.. ولكن الأمل مهما كان حجمه إلا أنه لا يطعم خبزاً.. كلامي ليس عن هذا النوع من المسكنات.. كلامي هو عن المخدرات والمؤثرات العقلية التي يسكتنا بها الطرف الآخر إلى أن ننسى الكلام أو نموت بجرعة زائدة!
الكثير من الحكام، والحكام هنا اقصد بها كل سلطة تكون فوقنا تتحكم بنا، يلجؤون للبلاسيبو! الأم بدلاً من أن تشتري لابنها تلك اللعبة غالية الثمن..تقوم بإعطائه “مصاصة”مزخرفة مزركشة حمراء اللون فيسكت.. وينسى! وكلما تذكر اسكتته بتلك “المصاصة”.. كم هو غبي ذلك الطفل.. مازالت الحيلة تنطلي عليه في كل مرة!
تراجع الأمة عقلياً وفكرياً تجد له بلاسيبو تخدر الأمة نفسها به يسمى “مهما تأخرنا نبقى أفضل من غيرنا فالآخرة من نصيبنا لا من نصيب الكفار”.. حكام العرب يتكلمون عن العروبة و دناءة الاحتلال الصهيوني ثم يحقنون شعوبهم بحقنة” العروبة والنضال” ويصنعون منهم أبطالاً و صناديد بخطاب واحد فقط.. يرجع ذلك المسكين لبيته منتشياً بعروبته وبطولته التي تسكن له آلام الجوع والذل والمهانة!
هناك الكثير من منتجات البلاسيبو كالمسمى “عجلة التقدم والتطور”.. وآخراً يسمى “مكافحة الفساد”! البلاسيبو كثير من حولنا.. تجده على شكل حقن أو شراب أو كبسولات.. كما أنه متوفر على هيئة “باكيتات” من التحاميل!
ما أسهل أن تسكت الجائع الذي يطالبك بالرعاية الطبية برغيف خبز.. وما أسهل أن تسكت من تغرقه الديون الذي يطالبك بحقوقه في العيش في مكان يعمه النظام ولا يأكل فيه صاحب السلطان أفراد الشعب.. ما أسهل أن تسكته أو تخدره بقليل من المال!
مهما قمنا بتناول البلاسيبو بإرادتنا أو بإرادة غيرنا فلابد لنا أن نتفق وأن نكون على يقين بأن مفعول البلاسيبو مؤقت! ذلك المريض الذي شعر بتحسن بسبب البلاسيبو عاد ليشكو مرة اخرى بعد 6 ساعات.. والعجيب أنه طلب مني تغيير الدواء لأنه شعر بأن الدواء لم يكن فعالاً كالعادة.. وربما انه أدرك بأن شعوره بالتحسن كان بسبب اقناعه لنفسه بأنه سيتحسن بعد ذلك الدواء!
@DrNawras