كتاب سبر

التفاؤل بالفشل

إن ناتج مؤسسات الدولة عبارة عن الفشل المفضي لمزيد من الفشل، وأحد أهم أسباب ذلك هو فقدان التطبيق العملي للهيكل القيادي الإداري السليم. فمن كان معينا من جهة ذات نفوذ سيملك الأريحية للعمل “أو عدم العمل” من دون إنتاجية لأنه «يعلم» بأنه معفى من كل أنواع المحاسبة وعليه فإننا نرى أحيانا أن نفوذ «وكيل وزارة مساعد» على أرض الواقع يكون أكبر من نفوذ الوزير نفسه. وعليه فإننا لا نستغرب أن يكون ناتج أداء الحكومة هو مجموعة أخطاء وإخفاقات وتهلهل خدمات. 
 للأسف الوضع عندنا “معوج”، فالمسؤول الكبير يخشى من محاسبة الموظفين الصغار أحيانا. وإذا ما ملك الشجاعة لمحاسبة أحد «ستتكشف» له الحقيقة المرة، وهي أن الموظف المقصر، سواء كان «وكيل وزارة» أو «مدير إدارة» يمتلك من طيب العلاقات والحظوة مع المسؤولين والقياديين وأصحاب القرار ما يجعله محصنا ضد أي مساءلة. 
من بيده قيادة الجهاز الإداري بالبلد؟، أو على الأقل التأثير المباشر عليه؟ إنهم مجموعة من أصحاب النفوذ الذين قد لا يملك نصفهم أية مناصب رسمية بالدولة لكنهم يحددون من الذي “يصل” لأصحاب القرار، ويحددون أيضا “ما يصل” لأصحاب القرار من أخبار بشكل موجز يعدونه بما يخدم رؤاهم.. هم من تؤخذ استشاراتهم وآراؤهم على محمل الجد وتنفذ، وهم من يقضون مع أصحاب القرار معظم الأوقات فيكسبون ثقتهم. ومزايا بعض أصحاب النفوذ تدوم لسنوات طويلة وبسببهم فإن صوت المواطن الحقيقي لم يصل أبداً كما هو. للأسف فإن «صوت الشعب» يطاله من التعديل والتحريف و”التشفير” ما يفقده معناه فيصبح مشوها وغير واضح. 
 لا أتوقع بأن يأتينا الإصلاح من مجلس أو من أحزاب سياسية بل أكاد أجزم بأن بعض المخلصين من الناصحين بدأوا بالعمل كفلاتر لتنقية الأجواء ومنع وصول بعض الشوائب والترسبات إلى أصحاب القرار وهو ما سنتبين تأثيره مستقبلا من خلال مشاهدتنا لأي خطوة جادة بطريق الإصلاحات تتم خلال القادم من أيام. وإذا ما عمل بعض هـؤلاء المخلصين بشكل متناغم وسليم فلا أستغرب حدوث تغيرات تعيد الهيكل الإداري بالبلد لشكله الطبيعي الذي يتم من خلاله احترام صلاحيات الآخر ومحاسبة المقصر وتشجيع المجتهد المصيب بشكل يعود علينا جميعا بالمنفعة.. حاولوا أن تتفاءلوا قليلا فهي ترياق لمن آلمهم واقعهم.. والله الحافظ والمستعان
(( ينشر بالتزامن مع الشرق القطرية))