كتاب سبر

أين الحصافة في مرسوم يوم لا تنفع الحسافة؟

 في تسويق مرسوم قانون الضرورة الذي خصم 75 % من القدرة التصويتية للناخب، قالت
الحكومة ما لم يقله مالك في الخمر، فهو دستوري، وهو حصيف سياسياً، وهو المنقذ اقتصادياً. 

ولو صدقت تلك الركائز الثلاث، لما كان هناك في الأصل خلاف، ولكنها ركائز لو وضعت
موضع الاختبار، لتهاوت جميعاً، لذلك من واجبنا تبيان انحرافها وخطرها، ليس تعصباً مع أحد
أو ضد الآخر، ولكن، لأننا شركاء وطن ولسنا رعايا، وواجبنا حمايته ساعة الخطر، وما تنوي
الحكومة المضي فيه، هو درب في غاية الخطورة. 
وأول الركائز، هي تأكيدها دستورية المرسوم بقانون، ورغم أهمية الاختصاص، إلا أن عدم
دستوريته من الوضوح بحيث لا تصمد أمام حكم المنطق البسيط. أولى سقطاته هي نيته المعلنة
بتغيير مكونات مجلس الأمة القادم، وهي رغبة حكومية لكي يتوافق تشكيل المجلس القادم مع
محتوى الحكومة الثابتة والضعيفة، وليس في الديمقراطيات حكومات ثابتة لابد للمجالس النيابية
أن تأتي على هواها، وإنما العكس تماماً هو الصحيح، وهو أن الدساتير سطرت لتحقيق التداول
السلمي للسلطة أي تشكيل الحكومة، وفقاً لنتائج الانتخابات. وثانيها، هو أن الحكومة نفسها
ليست على قناعة بدستورية مرسوم الضرورة، لأنها لو كانت كذلك، لأصدرته بمجرد إبطال
المحكمة الدستورية لمجلس 2012 في شهر يونيو الفائت، ودعت إلى انتخابات نيابية ضمن
المهلة الدستورية -شهرين- بدلاً من إدخال البلد في فراغ دستوري لمدة 6 شهور. وثالثها، هو
أن الحكومة هي من طلب تحصين قانون الانتخابات بالدوائر الخمس والأصوات الأربعة من
المحكمة الدستورية، وعندما حصنته المحكمة الدستورية، أصبح حكم المحكمة هو الفصل
دستورياً، وهو ما تجاوزته الحكومة. 
 ثاني الركائز، هو أن الحصافة السياسية تطلبت مثل هذا المرسوم، وليس في مرسوم الضرورة
وما سبقه وما تبعه من إجراءات أي حصافة سياسية، فمثالبه تكاد تودي بوطن جميل، لو قرأت
الحكومة المؤشرات بشكل سياسي صحيح. فهو غير حصيف سياسياً لأن الأصل في العمل
السياسي، هو مبدأ الثواب والعقاب، وإبطال مجلس عام 2012 تم لخطأ إجرائي حكومي لا
يرتكبه هواة، ويفترض أن ينصب العقاب على الحكومة، وليس على خيارات الناس. وهو غير
حصيف سياسياً، لأن غرضه هو تحقيق تشكيلة قادمة لمجلس الأمة تتوافق مع هذا المستوى
الركيك للأداء الحكومي، بينما الأسهل سياسياً، هو تشكيل حكومة من 16 وزير، قوية وقادرة
بما يكفي للتعاون أو مواجهة أي تشكيل لمجلس الأمة. وهو غير حصيف سياسياً، لأن الحكومة
في دفاعها عن مرسومها، استبدلت صناديق الاقتراع، بجموع لها كل الاحترام، من وجهاء
القبائل والدواوين والملالي والسادة لاستجداء دعم لا يمثل أحد سوى الحاضرين أنفسهم، ولا تحتاجه لو كانت على حق. بل لعلها ارتكبت خطأ سياسي وسيادي جسيم، عندما عرض تلفزيون
الكويت الرسمي دعماً للحكومة من وجهاء قبائل من خارج الكويت، وهي سقطة سياسية
ودستورية، فالحكومات الحصيفة حذرة من الإستقواء بالخارج على الداخل، والقضية أخطر إذا
كان إستقواء بالقبيلة أو الطائفة أو الطبقة..الخ. وفي المقابل، خرج أكثر من 100 ألف مواطن
في مسيرة سلمية، و 100 ألف نسبة إلى عدد مواطني الكويت تساوي 7.5 مليون مواطن وفقاً
لتعداد سكان مصر، وهو ما لم يحدث في مصر، والحصافة السياسية تتطلب قراءة المؤشر
بشكل صحيح والتعامل معه بأسلوب مختلف. الواقع، أن الحصافة السياسية كانت تتطلب النظر
إلى البعد الإيجابي في مثل هذا التجمع، فقد جسد الوحدة الوطنية بأفضل صورها، وعكس
مستوى الأعمار الصغيرة المشاركة في المسيرة قلق على مستقبل الكويت من قبل شبابه
وشاباته، وهم المستقبل. وأين الحصافة السياسية فيما حدث ويحدث بعد إصدار مرسوم
الضرورة، إن ما يحدث تمزيق مؤلم لكل مكونات المجتمع، نزولاً حتى إلى العائلة الواحدة، فأي
سلطة تستحق دفع كل تلك التكلفة. وأين الحصافة في استخدام الفزاعات للتخويف، فهذه المرة
هم الإخوان المسلمين والقبائل، وقبلهم منذ حركة مجلس أواخر الثلاثينات كانت الفزاعة التجار
الوطنيين، حتى أن أحد الشيوخ كتب في إحدى الصحف المحلية قبل بضع سنوات مقالاً يستنكف
فيه تسمية نصف شارع باسم المرحوم/ عبدالعزيز الصقر لأنه من تكتل دعاة ضم الكويت إلى
العراق وفقاً لإذاعة قصر الزهور، وعبدالعزيز الصقر صرح وطني شامخ. بعدها جاءت فزاعة
القوى الوطنية، واتهموها باحتمال القيام بانقلاب على الحكم -نادي الاستقلال-، وتم التقرب من
القبائل والقوى الإسلامية وعلى رأسهم الإخوان. وفي ثمانينات القرن الفائت كان كل الشيعة هم
الفزاعة حتى يثبتوا العكس، أي ولائهم. أي حصافة تلك التي تمزق وطن، الغالبية الساحقة من
كل فئاته وطنيون ومخلصون، من أجل الانتصار المؤقت في معركة سلطة زائلة. وأين
الحصافة السياسية في عدم الإفادة من التجربة الإنسانية حولنا، فبين زمن الانقلاب على الدستور
في عام 1986 والآن، سقطت دولاً عظمى، أو كل المعسكر الاشتراكي، بسبب غياب
الديمقراطية، وها هي الحرائق تطال الوطن العربي، والاستدارة عن مشروع الدولة إلى
مشروع اختزال الدولة في الحكومة، هو قذف خاطئ وخطر إلى المجهول. 
وثالث الركائز، هو الاقتصاد، فالمجلس هو المعطل للتنمية، والحكومة دونه أو به إن جاء
مهجن، سوف تصنع من الكويت، النرويج، وهي حجة ساقطة بالدليل القاطع، فبعد حل مجلس
الأمة حلاً غير دستوري في عام 1976 ، دفعت الحكومة أموالاً طائلة لرفع أسعار الأصول،
وقامت من خلال الشركة الكويتية للتجارة والمقاولات والاستثمارات الخارجية بشراء ما قيمته
150 مليون دينار كويتي من أسهم المدينين، وكانت النتيجة زراعة بذرة المناخ. وبعدها غذت
السوق بشركات، غالبيتها العظمى ورق، بلغ عددها 92 شركة، وورطت بسطاء الناس بها،
وشارك في الحفلة كبار المسئولين، لتمرير مشروع تنقيح الدستور، ثم لتمرير تفتيت الدوائر إلى
25 بمرسوم ضرورة، وحدثت بعدها أكبر أزمة مالية في العالم قياساً على حجم الاقتصاد
الكويتي، أو أزمة المناخ، حدث ذلك بعد استفراد الحكومة بالسلطة على مدى 5 سنوات. وفي
ديباجة قرار الحل غير الدستوري لمجلس الأمة في عام 1986 ، كان الهدف من إقصاء المجلس
3
هو التفرغ لتحقيق الأمن وتحقيق الازدهار الاقتصادي، وكان ختام السنوات الأربع الأخرى
التي استفردت فيها الحكومة بالسلطة، ضياع البلد في ساعتين، وسرقة استثماراتها الخارجية
وقطاعها النفطي. ومنذ ذلك التاريخ، أي منتصف الثمانينات، لم تبن الحكومة مستشفى أو جامعة
أو إستاد رياضي أو حتى طريق محترم، وهو أمر لا علاقة لمجلس الأمة به، والواقع أن مجلس
الأمة وافق لها بقانون في فبراير من عام 2010 على خطة للتنمية، وما تحقق منها هو عكس
أهدافها تماماً. وهي نفسها الحكومة التي تسعى إلى تحويل الكويت إلى مركز مالي، بينما
عجزت على مدى 3 سنوات عن تعيين 5 مفوضين لهيئة أسواق المال بعد أن قدمت شكوى ضد
ثلاثة ممن عينتهم، وهي نفسها التي عزلت مدير سوق الكويت للأوراق المالية بعد أن عينته ثم
اكتشفت أنه فوق السن القانونية. وهي الحكومة نفسها التي عجزت عن إدارة مؤسسة للخطوط
الجوية على مدى 19 عاماً منذ نوفمبر من عام 1993 عندما قررت الالتفات إليها وإصلاح
، أحوالها. وهي الحكومة نفسها التي شكلت لجنة استشارية اقتصادية في أغسطس عام 2011
لإعانتها ونصحها، وقبل أن يجف حبر تشكيلها أقرت كوادر القطاع النفطي وانفرطت سبحة
السياسة المالية. وهي نفسها الحكومة التي لم تحركها تهمة انتفاخ حسابات 26 % من نواب
مجلس عام 2009 ، وبدلا من الشعور بالغيرة والغضب وملاحقة الراشي والمرتشي، فرحت
لقصور قانون غسيل الأموال عن المضي بإجراءات الملاحقة. وكلنا نعلم، أن التنمية والفساد لا
يجتمعان، وأن الفساد الذي لم تكن تحمله البعارين، أصبحت الفيلة تعجز الكن عن حمله. 
 ودعوني أختم مداخلتي بالتالي، خلال فترة الشهور الست الفائتة أو نحوها، ضاعت على البلد
ثلاث سيناريوهات، أسوأها أو ثالثها، أفضل مما هو قادم، ولا بأس من التذكير بها. السيناريو
الأول والأفضل، كان الدعوة للانتخابات النيابية بعد إبطال المحكمة الدستورية لمجلس عام
2012 ، ونظرة على نتائج الانتخابات في ثلاث تجارب سابقة وفقاً لنظام الدوائر الخمس بأربع
أصوات، لم تكن أي من النتائج مشابهة ولا حتى قريبة من سابقتها، وكانت كل الاحتمالات
قائمة، حتى تلك التي في صالح الحكومة، ولم يكن لأحد أن يشتكي مادام الدستور محترماً.
السيناريو الثاني، وهو ثاني أفضل فرصة ضائعة، كان في الدعوة إلى انتخابات نيابية بعد أن
حصنت المحكمة الدستورية قانون الدوائر الخمس بالأصوات الأربعة لكل ناخب، وكان عذر
الحكومة حول حرصها على تحصين الانتخابات القادمة من طعن كخر، سوف يقبل، وكان
سيحسب سياسياً لصالحها، ولكنها لم تحترم إلتزامها. السيناريو الثالث، وهو ثالث أفضل فرصة
ضائعة، وكان في قراءة حصيفة لمؤشرات مسيرة “كرامة وطن ( 1)”، من زاويتي العدد
والمكونات، وتقدير ماذا يعني مخالفتها من مخاطر على مستقبل البلد، وكان يفترض سحب
. المرسوم كما في سابقة عام 1961. 
أما سيناريوهات المستقبل، فجميعها في تقديري أكثر كلفة ومخاطر، ومخاطرها في تزايد كبير،
كلما أضعنا أحدها، أي أن الوقت لا يعمل لصالح البلد، وسوف أجتهد في حصرها. أول
سيناريوهات المستقبل وأقلها كلفة، هو أن يتسع نطاق المقاطعة للانتخابات القادمة، ليس
انتصاراً لأحد أو انتقاماً من آخر، ولكنها الوسيلة السلمية الوحيدة المتاحة لإقناع الحكومة بخطأ وخطورة إجراءاتها، فاتساع نطاق المقاطعة، أي انخفاض نسبة المقترعين عن 50 %، تعني
رسالة واضحة بأن لا المجلس القادم ولا الحكومة القادمة ممثلان شرعيان لغالبية الشعب،
وحينها، والأمل ضعيف، قد تستجيب الحكومة لاتجاهات الرأي العام، وتبدي تردداً يساهم في
خلق مناخ سياسي أفضل يساهم في حل المجلس الوطني الجديد مبكراً. سيناريو المستقبل الثاني،
هو أن تقضي المحكمة الدستورية حال التقدم بتظلم لها حول عدم دستورية مرسوم الضرورة،
ببطلانه، وفي وقت مبكر، وحينها ستمثل السلطة القضائية شبكة الأمان للبلد تحميه من السقوط
الحر والمؤلم المحتمل. سيناريو المستقبل الثالث والمخيف، هو حكومة ومجلس أمة هزيلان،
يفشلان في تحقيق وعود سابقة، وفضيحة فساد هنا وأخرى هناك، ويخرج الأمر عن نطاق
السيطرة إلى مصادمات شوارع، وقد يسقط ضحايا لا سمح الله، ويتم التراجع، ولكن بعد خراب
البصرة. أما سيناريو الكارثة، أو سيناريو المستقبل الرابع، فهو عندما تتزامن تطورات
السيناريو الثالث، أي حراك الشارع المحلي، وامتداد حراك الربيع العربي إلى الإقليم لا قدر الله، حينها، يصعب تقدير سقف لحجم التكاليف المحتملة. 
لذلك، أنا لست من دعاة الوقوف والبكاء على كل فرصة ضائعة، وإنما من دعاة ضرورة العمل
على تحقيق كل فرصة قادمة لاجتناب الأسوأ الكتي بعدها، لذلك، أقف وبشدة الآن، مع دعوات
المقاطعة للانتخابات القادمة، أملاً في إيصال رسالة وإنقاذ وطن، حتى لا نصل إلى مرحلة، لا
ينفع معها بكاء وحسافة على غياب الحصافة. 

جاسم خالد السعدون
 28 نوفمبر 2012