كتاب سبر

أيها الحكام .. متى تتعظون؟!

حقاً متى؟!
ثم سؤال آخر: ماذا يريد الحكام من الشعوب؟
هل طرحوا على أنفسهم هذا السؤال بدلاً من توجيه كل الأسئلة للشعوب وإلقاء اللائمة عليهم لانتفاضاتهم ؟!
إن الدول التي تخضع لحكم عائلي وراثي معادلة العلاقة فيه مع الشعب تتطلب ذكاء وتدبيراً, وحتى تدوم تلك العروش لا بد من توافق شعبي على وجودها, رضي الحكام أم أبوا !
الواقع لا يداهن ولا يعرف كيف ينبطح لمراكز القوة, الواقع يفرض ذاته بقوة الحقائق المبنية على معلومات يمكن قياسها, فكيف السبيل لتشكيل فكر الحاكم وإعادة تعبئة عقلية الأسر المالكة باتجاه تحقيق الثبات والاستمرار والاستقرار للحكم والدولة ؟!
فماذا يقول التاريخ في هذا الشأن؟
إنه يطرح الأحداث التي جرت نقلاً عن معاصريها, وإن كان الراوي قد يضيف وينقص, ولكن هناك ما يسمى بعلم النقل المتواتر لتأكيد الروايات أو نفيها, وفيها مواعظ لو اتخذها الحكام بجدية لفلحوا وصلح شأنهم.
والمعروف أن الحكم العائلي الوراثي, رغم تفاوت الجغرافيا والثقافات والعمق التاريخي والأديان, تتشابه أهدافه, البقاء بأي ثمن لأطول فترة ممكنة !
وفي صراع البقاء هذا جبهتان يجب التعامل معهما على قدم سواء في الأهمية والجدية, الأولى داخلية بين أفراد الأسر الحاكمة ذاتها, ويجدر الذكر هنا ، أنه لا توجد أسرة حكم لم تتنازع فيما بينها على تراتب السلطة واعتلاء العرش, والثانية خارجية بين الأسرة والشعب.
وباختلاف الحقب الزمنية والتطور الطبيعي والانفتاح بين الثقافات وفقه الشعوب بحقوقهم, وعوامل كثيرة يدعمها علم الاجتماع, وتصفح لمقدمة ابن خلدون سيجيب على كل الأسئلة التي في ذهن القارئ, كل المتغيرات تؤكد أن الأوضاع الحالية لم تعد تقبل الحكم بمنهجياته البالية !
وما هي المنهجية البالية؟
هي فكرة إدارة الدول ” كإقطاعيات ” واعتبار الشعب عبيداً أو بمسمى أقل كِبراً، “أتباع”, ومعاملة مقدرات وثروات الدولة كملك شخصي, وتسيير شؤون البلاد بالمزاجية والانتقائية والأسباب الشخصية, وإطلاق أيدي نساء القصور للمكائد, فيتدمر نسيج الأسر الحاكمة من الداخل وهو أول سوس ينهش أساساتها وسبب رئيس بانهيارها !
قد يغضب الحكام من هذا الكلام, ولكن فقط المعاتية منهم !
ولكن العُقّال سيوجهون لي الشكر، نعم، لأنني أقول لهم ما يدور في عقول الشعوب بلا تزييف وغير مسبوق بجمل النفاق ومجاناً وبلا مصالح وأهداف سوى رغبة مخلصة بأن نتعايش كشعوب وحكام, ونستثمر نعم الله علينا بإرساء العدل والحكمة في توزيع الثروات واستثمارها لنهوض البلاد, بدلاً من الدخول طواعية لمحرقة النزاع والمواجهات بين الحاكم والمحكوم التي لا كاسب فيها وإن ادّعى !
أيها الحاكم ” وراثياً ” أينما كنت, إنك والشعب بين القدر والابتلاء, ولكنه مصدر قوتك, وشرعيتك أمام نفسك قبل المجتمع الدولي, وذراعك التي تحمي به وجهك من الخطر الخارجي, الشعب هو سد وجودك في سدة الحكم, والذي يحول بينك وبين سيول أي غضب محتمل, وإن أنكرت وظننت أن لن يقدر على تنحيتك أحد, وإن أوهمتك بطانتك بأنك باقٍ لأنك حاكم, والشعب زائل وسهل استبداله بسياسات التجنيس واستيراد مواطنين جدد, رغم كل معاهدة وقعتها بصفتك ” الحاكم “, ثق أن لا شيء يحفظ بقاءك إلا الشعب !
فاحترمه, صاحبه, صدّقه, اقترب منه, تواضع معه, حقق له طموحاته كإنسان, انفق لرفاهه من خيرات وطنه بلا منة وإذلال, خذ وأسرتك حصتكم من موازنة الدولة, خذوا ما شئتم, ولكن لا تحرم الشعب من الحصول على حقوقه بكرامة  ليشتد ويصير لك حجاباً عن النار يوم تُسأل أعدلت فيه أم ظلمت !
كل الصراعات التي أودت بحكام قبلك, سببها ظلم صبر أهله حتى صار بواحاً فخرجوا إلى الشارع بصدور عارية لا يريدون حتى الطعام, ويطلبون الموت, فجاء الفناء للجميع, قوانين الإزالة الطبيعية والإحلال لا تفرق بين حاكم ومحكوم, جرافات عمياء !
فمن هذا الحاكم الفطن الذي يستمع لطلب شعب يقول نريدك حاكماً ولكن بعدل, فينجو من فُجاءة طوفان الشعوب ؟!
ما أعرفه, أن التاريخ يدور ولا يسير بخط مستقيم, والدوائر تعود لنقطة الإنطلاق وهكذا, والأيام دوَل وتلك سنن لن يقدر الحكام على تبديلها لأن الله هو الحاكم بأمره.
هذه ذكرى لمن نسيَ في غمرة الشهوات والعلو في الأرض, أنه ضيف هنا, وعليه التأدب مع صاحب المكان.
twitter@kholoudalkhames