أبعاد السطور / الاستبداد عند الحُكام
حسين الراوي
الحُكم في جميع بلدان الأرض على سائر اختلاف أنواعه في هذا الزمان واضح في فكرته ومحدد في منهجه ومُقيّد في نقاطه، لكن ما يجعل الحُكم حٌكماً أجوّف فارغاً من خطوطه العريضة التي ترسم الإطار العام للعلاقة بين الحُكام والشعوب هي تلك الأمور السيئة التي تنتشر في هيكل عرش الحُكم كانتشار الدود الذي ينخر ويأكل الأشياء التي يصل لها بهدوء وصمت من دون أن ينتبه له ذلك الذي أصابه ودب في مساحته. إن استقرأنا التاريخ واستعرضناه على طول سنواته وعلى كثر أحداثه سنجد جميع عروش الحُكام تهاوت صروحهم وسقطت دولهم بسبب الاستبداد الذي اتخذوه منهجاً في حكمهم وأسلوباً لتعاملهم مع من يحكمون، والاستبداد إن صدر من حاكم ضعيف الشخصية وليس له قبول في شعبه، سيكون سقوطه سريعاً وقوياً بحسب ذلك القدر الذي هو ضعيف به في دولته.
وأبرز ما يتصف به الحُكام المستبدون أنهم لا يسمعون إلا صوتهم، ويرون أن فكرهم هو الأسمى، وأن آراءهم لا تراجع عنها، وأن البطش هو الحل الناجع مع قضايا شعوبهم، ودائماً ما يُسخفُون من مطالبات شعوبهم، وأنهم يستبدون بأموال الشعوب وثروات بلدانهم، ولا يبالون باحترام كبار القوم ممن يتبعهم اعداد كبيرة من أبناء المجتمع، وأنهم يُدنون أهل الثروة منهم من أجل مصالحهم الشخصية ويُقصُون الناصحون الواضحون من مجالسهم، وأنهم يُسفهون الأمور الجليلة في الدولة، ويمنحون أراذل الناس القرب منهم ويعطونهم قدراً لا يستحقونه ويبرزونهم في مجالسهم والمحافل، وأنهم منشغلون عن أمور الحكم بما هو أقل أهمية وخطورة. والاستبداد في الحكم له أسباب عدة، منها: تلك العقلية عند الحاكم التي تعاظم ذاتها وسلالتها وتفكيرها، ضعف الضمير، الظُلم الذي هو أساس الحُكم، محاصرة الحاكم من قِبل بطانة فاسدة، تهتم وتحرص على عزل الحاكم عن شعبه بأشكال مختلفة من أجل أن تستفيد منه طيلة حقبة حكمه عبر الوصول للأموال والمناصب والأراضي والمدخرات والصيت والسمعة وفتح كل باب مغلق يواجههم وكل ما يطمعون فيه.
عدم اتعاظ الحاكم بسيرة الحُكام المستبدين الذين رمت بهم شعوبهم إلى مزبلة التاريخ. ابتعاد الحاكم عن شعبه وانصرافه إلى أمور بعيدة عن مسؤوليات الحُكم. عدم التقاء الحاكم بأبناء الشعب من الحُكماء والوجهاء من أهل السيرة المحمودة والعقول النيّرة. تمييز الحاكم لطبقة دون طبقة وفئة دون فئة. عدم ردع ومحاسبة ومحاكمة المارقين والفاسدين السِمان في الدولة.
أضف تعليق