كتاب سبر

واثنان في النار !

إذا جار الأمير وحاجباه … وقاضي الأرضِ أسرف في القضاءُ
فويلٌ ثــــم ويلٌ ثــــم ويلٌ … لقاضي الأرضِ من قاضي السماءُ
هي الخشية من مغبة تسييس القضاء .. عبر اختراقه حكومياً، وانتهاك حرمة استقلاليته بالضغط على القائمين عليه بهدف تحويل مساره إلى مسارات أخرى لا تخدم العدالة المعصوبة العينين ولا تبت لها بصلةٍ من بعيدٍ أو من قريب، وإنما تخدم السلطة فاقدة الضمير عند تصفية حساباتها مع خصومها وأندادها !
فأعظم ما في القضاء العادل أن يتمثل به الضمير المجرد .. والبعيد عن أي أهواء شخصية وثارات سياسية ومصالح ذاتية عند النظر في القضايا المطروحة أمامه، والقاضي العادل هو المدافع عمن لا يجد من ينصفه، وهو الذي يقتص للمجتمع بكل نزاهة وعدالة لا تعرف أي شخصنة في الحكم، فيد العادل لا تهتز .. وقلبه لا يميل .. وضميره لا يتلون!
وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المرفوع : (الْقُضَاةُ ثَلاثَةٌ، قَاضٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَاثْنَانِ فِي النَّارِ، قَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَذَلِكَ فِي الْجَنَّةِ، وَقَاضٍ قَضَى بِالْجَهْلِ فَذَلِكَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ وَجَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ)
عاودتني هذه المشاعر وأنا أرى ما لايروق لي ولكافة الضمائر الحية والأنفس الوطنية، حينما تتوالى الأحكام القضائية في حق أشخاص مشهود لهم بالوطنية ونزاهة النفس واليد بزمن يعج باللصوص والخونة والأوباش،فلم يعد من الممكن السكوت عن كيل التهم ورميها جزافاً تارة، والانتقائية الصريحة والمتعمدة في توجيهها تارةً أخرى، وبالطبع ليس من حقي الاعتراض على الأحكام القضائية خاصة حينما تصدر عن محاكم رفيعة المستوى كالمحكمة العليا أو الدستورية على سبيل المثال، وإنما من حقي التعليق وطرح التساؤلات على أقل تقدير .. فهناك الكثير من الأمثلة على صحة ما يدور في خلجي، والعديد من الدلالات التي سأستشهد بها أدناه !
وجهت للبراك تهمة التطاول على مسند الإمارة عندما قال (لن نسمح لك) ، وتم إغفال النظر عن الملا عندما قال (ياسمو الأمير مومقبول أنت لاتملك الإجابة أبداً مومقبول) وعن الغانم حينما تفوه بـ (يا ذرية مبارك تبون الحكم) وكأنما تفضل شخصة الكريم بالمن على هذه الذرية التي ينتسب إليها الأمير شخصياً بـ (الحكم) .. وجهت للبراك تهمة تخريب العلاقات الدولية حينما قال (الملك الصهيوني) في إشارة منه إلى عبدالله الثاني عاهل الأردن (عدوة الأمس) وتم صم الآذان عن تصريحات دشتي التي أشار بها إلى احتمال غزونا من قبل المملكة العربية السعودية (صديقة الأمس واليوم والغد) وجهت للبراك والعديد من النواب والشباب تهمة اقتحام مجلس الأمة على الرغم من وجود سابقة لهذا (الفعل) متمثلة في اقتحام طلال الفهد لمبنى اتحاد كرة القدم وإن اختلف المكانان وزمانهما .. والدلالات والمؤشرات على صحة ما أقول أكثر من ذلك بكثير من المرات، إلا أني أكتفي بهذا القدر لعدم الإطالة فيما لا طائل منه إن صح التقديرالتعبير.
فمعظم الذين ينالون الأحكام هذه الأيام في مجتمعنا هم أولئك الذين يعارضون وبقوة محاولات سلب إرادة الأمة وتهميشها، وهؤلاء الذين اختلفوا سياسياً مع الحكومة، وجهروا صراحةً في اختلافهم معها، إن استخدام القضاء كأداة قصاص سياسي ضد من تختلف معهم أو من تعجز عن هزيمتهم في معارك الصناديق الانتخابية هو خطر عظيم ومؤشر مخيف لمستقبل الحريات والديمقراطية، وأنا لا أرمي تجاه اتهام قضائنا بعدم النزاهة أو الحياد عن الصبو نحو تحقيق العدالة المنشودة، وانما أشير إلى اخطاء واردة في بعض الأحكام أتمنى أن يعاد النظر والتمحيص فيما جاء بها، وارجو من الله عز وجل بقاء مؤسسات قضائنا منزهة وبعيدة عن الصراعات والثارات السياسية بين القوى السياسية التي تنتمي للماضي والحاضر، وألا تتحول «عدالتنا» إلى أداة بطش لمن نختلف معهم !
آخر المطاف:
لا يمكن للقاضي الذي أدان فلانا بالإعدام في عهد ما .. أن يحكم بذات الحكم على خصمه السياسي في عهود لاحقة !