كتاب سبر

نظرات في خطة الإئتلاف (1)

نظرات في خطة الإئتلاف (1)
كتب الناشر.. حسن الأنصاري
انتظرنا جميعا توحّد قوى المعارضة لوضع خارطة الطريق لحل الأزمة السياسية التي تعيشها الكويت، وأُعلن عن تشكيل إئتلاف المعارضة وعن رؤيته للإصلاح والتي تتلخص بالحكومة المنتخبة، وتحفّظ على الرؤية كلاً من حزب الأمة والتيار التقدمي وبيّن كلاهما أسبابه الوجيهة وإن اختلفت.
وانتظرتُ حتى استمع للرؤية التفصيلية والتي طُرحت في ندوة “الطريق إلى الحكومة المنتخبة” في ديوان د.عواد الظفيري، استمعتُ لجميع الكلمات باهتمامٍ بالغ، وأعدت استماع بعضها ثلاث مرات، وبإمكاني تلخيص الخطة التي طرحها إئتلاف المعارضة بالتالي: يُبطَل/يُلغى مرسوم الصوت الواحد ونعود للنظام السابق بخمس دوائر وأربع أصوات، نخوض الإنتخابات يجمعنا برنامج واحد حيث نصل كأغلبية للمجلس، نصرّ على رئيس منتخب من الشعب وبدوره يتعاون معنا على إقرار حزمة قوانين وتعديلات دستورية -كالأحزاب والقوائم النسبية- حتى نصل لنظام ديموقراطي كامل.
وقد لفت انتباهي ما طرحه محمد الخنين في خطابه بضرورة وجود دستور جديد لأنَّ الدستور الحالي لا يحقق الحكومة المنتخبة، محذرًا من ولادة نموذج أردني في الكويت، وهو يتضارب مع ما أكد عليه مسلّم البراك في كلمته أنّ دستورنا الحالي يمكنه تحقيق حكومة منتخبة! هاتان الرؤيتان المتضاربتان تشيران إلى أنَّ الإئتلافَ غير مؤتلفٍ في رؤاه، وأنّ أمورًا غير واضحة دفعت التيار التقدمي لعدم الإنضمام للإئتلاف حتى تتوضّح. 
واستطيع القول أنّ خطّة الإئتلاف التي جاءت على لسان البرّاك خطة خطيرة على أهداف الإئتلاف نفسه ومضيعة للوقت والجهد! وتكمن الخطورة في أنّها تنتج نموذجًا لنظامٍ سياسيّ مشابه للنظام الأردني والمغربي واللذان لا يزالان يعانيان من نفس الأمراض؛ فميزان القوى غير المتكافئ  وحلّ البرلمان لرئيس الدولة دون شروط ورئيس حكومة يُعيّن ولا يُنتخب..  وخطر هذا النموذج أنه يشوّه الصورة الحسنة لدى الناس عن الحكومة المنتخبة، فالمشاكل ستبقى هيَ هيَ، ولن تتحقق أي تنمية.
وحاول مسلم البرّاك في خطابه حصر مشكلتنا وأزمتنا في الاختيارات الخاطئة لرئيس الوزراء داخل ذرية مبارك، وبسببها لم نجنِ الثمار منذ 50 سنة من وضع الدستور، وأن السلطة تغاضت عن الخيارات الثلاث المتبقية: رئيس من الأسرة من خارج ذرية مبارك، رئيس شعبي غير منتخب، أو شعبي منتخب، والحل عند الإئتلاف -كما جاء على لسانه-أن يقع الاختيار على رئيس شعبي انتخِب للبرلمان! وهذا تصويرٌ خاطئٌ للمشكلة، لأن الشعب -أي شعب- يريد اختيار رئيس وزرائه الذي يرتضيه لنفسه، لا أن يختار له غيره بعد مشاورات خادعة، كما فات البرّاك وهو يعرض الخيارات أنّ هنالك خيارًا محتمل الوقوع وهو: رئيس شعبي منتخب من خارج الأغلبية! عضوٌ حكوميّ الهوى مثل الراشد والعمير وغيرهما، والمشكلة أن الإئتلاف اشترط في خطته أن يكون رئيس الوزراء منتخبا فقط دون تحديد إذا ما كان من داخل الأغلبية أم لا، وهنا خطورة أخرى نواجهها في النموذج السياسي الذي يُطرح، ولم يأتِ على ذكر دستور جديد يعدِلُ بميزان القوى بين الشعب والسلطة ولا يكون فيه مصير مجلس الأمة في مهب الريح متى كان أداؤه غير مُرضٍ لرئيس الدولة، فتصوير البرّاك أنّ دستورنا الحالي لا يرفض الحكومة المنتخبة أمر خطير بذاته، فذلك قد يعني أن البرّاك أو (الإئتلاف) لا يرى ضرورة تعديلات دستورية بل مجرّد سن قوانين الأحزاب وغيرها، وهذا ما سيُخرج لنا نموذجًا مشوّهًا للحكومة المنتخبة، لا تملك من أمرها شيئا ولا قوة فعلية واقعية.
بل إنني أتوجس من أمرٍ أخطر وهو أنّ السلطة لن تمانع من إعطاء الشعب رئيس وزراء منتخب من الأغلبية ولكن في مقابل الحفاظ على هذا الدستور الذي يعزّز سطوتها على الأمر الواقع، هذا الدستور المؤقت لخمس سنوات فقط -كما يذكر د.أحمد الخطيب- وعلى أن يتم تعديله وتطويره لمزيد من الحريات، لكن ماذا حدث؟ 50 سنة من الصراع السياسي البائس أوصلنا لهذا الحال الذي نعيشه الآن، نعم تنازلت السلطة آنذاك للشعب بوضع دستور 62 ومجلس أمة..إلى آخره، لكنها حافظت على مُرادها وهو هيمنتها على القرار ومصالح البلاد فعطّلت كلّ محاولات تعديل هذا الدستور بل وانقلبت عليه في أحيان كثيرة فلن تمانع الآن من أن تتنازل لرئيس وزراء شعبي منتخب ومن “الأغلبية” ولكنها ستقف دائما وأبدا بوجه كل محاولة ترد ما اغتصبته من صلاحيات في دستور جديد يعدل بميزان القوى لصالح الشعب، كل ذلك من أجل احتواء الحراك الشعبي والعودة إلى برلمان يخضع لقوة السلطة، هذه هي الحكومة المنتخبة المشوّهة المتشبّهة بالنموذج الأردني والمغربي. 
عقبات أخرى ذكرها الإئتلاف وذكر كيف سيتجاوزها، سأناقشها في المقال القادم، وسأطرح اشكاليات أخرى لم يتعرض لها الإئتلاف، لينكشف لنا الضباب الذي سنسير فيه، والجهد المهدور الذي سيبذله الشباب بسبب سوء التخطيط وعدم وضوح الأهداف، ولَكَم أضعنا فُرَصاً كانت بمتنوال اليد!.
@ABO_AFNAN