كتاب سبر

نظرات في خطة الإئتلاف (2)

استعرضنا في المقال الأول نقدًا عامًا لما طرحه إئتلاف المعارضة من الخطة المرسومة للوصول للحكومة المنتخبة، ووضحنا خطورتها لإنتاجها نموذجا كالنموذج الأردني الذي يتمثّل بحكومة منتخبة مشوّهة دون صلاحيات فعلية بيد الشعب ولا يغيّر من موازين القوى شيئا، فما هي إلا مُراوحة في المكان نفسه، ومضيعة للوقت والجهد، وحرصًا مني على جهد الشباب ووقتهم، أستعرض أفكاري معكم حتى نصحح مسار الحراك.
عقبتان مهمّتان عرضهما مسلّم البرّاك في خطابه ووضع أمام الجمهور حلولاً لتجاوزها، والتي أراها حلولاً غير ناجعة. العقبة الأولى: فيما لو أصرّت السلطة على خيارها المعتاد في اختيار رئيس الوزراء من ذرية مبارك، أو اختارت خياراً مخالفاً لما يطالب به الإئتلاف وهو رئيس وزراء منتخب، يرى الإئتلاف أنّ تجاوز هذه العقبة يكون: بمنع رئيس الوزراء وحكومته من القسم أمام المجلس وذلك بالخروج من القاعة وعدم وصولها للنصاب المطلوب لعقدها بالتالي تعطّل الجلسة  ولا تقسم الحكومة وتكون في خبر كان، وفي هذه الحالة يتم الضغط على السلطة ولا يسعها إلا خيارين وهما: اختيار رئيس وزراء منتخب نزولاً على شرط الإئتلاف، أو حلّ مجلس الأمة، فإن ذهبت للأول فهذا مرادنا، وإن ذهبت للثاني -وأذكر هنا نص عبارة البرّاك بالضبط- ” ليحلّ الأمير مجلس الأمة ونعود للأمة بقضية الحكومة المنتخبة! -تصفيق من الجمهور- هذا هو الإنتصار الحقيقي”!! ثم يضع البرّاك نقطة.
لمناقشة حلٍّ كهذا يجب أنْ نعلم أنّ هذه المصادمة الجميلة التي تضغط وتُحرج السلطة تتطلب وجود أغلبية تصل للبرلمان ذات برنامج وخطة واحدة متفق عليها مسبقا، وهذا غير متاح في نظام الانتخابات -ذو الصوت والـ4 أصوات- لأنه تم رسمه لمنع وجود أغلبية ببرنامج واحد، فإذا أراد الإئتلاف تواجده في المجلس ككتلة واحدة من برنامج واحد فعليه أن يشارك بـ 4 نواب في الدوائر الخمس، فيقدم مشروعه للناس فيصوّتون له، وعلى فرض نجاحهم جميعا فسيكونون 20 فقط لا يشكلون أغلبية من أصل 50 إذا ما تغاضينا عن أصوات الحكومة كذلك! ما نعيبه على قانون الصوت الواحد ليس فقط القفز على قوانين أقرتها الأمة بل القانون يضعف موقف الشعب فيجعل المجلس مجلس أعيان لا يتيح وجود كتلة أغلبية ببرنامج موحّد وهو أساس العمل البرلماني، فكذلك قانون الـ4 أصوات لا يتيح إيجاد هذه الأغلبية ذات البرنامج الموحّد. وكأني بالبعض يتسائل عن الطفرة التي حدثت في انتخابات فبراير 2012 بوصول كتلة الأغلبية من 33 نائبا، فالجواب: أنها فعلا طفرة والطفرات لا تحدث إلا في مئات السنين، فضلا أنّ وصول “أغلبية معارضة” للمجلس لا يعني انساجمها في برنامج واحد ، فالعمل الحزبي ينتج عن خطة مرسومة قبل خوض الإنتخابات والبرامج لا تُرسم بعدها، نعم قد يحدث توافق على أهداف معينة لكن الأمر غير مضمون، فأولويات عبيد تختلف عن أولويات مناور! هل بالإمكان وصول أغلبية؟ واقعيا لا، ونسبة وصول كتل معارضة (قد) تتفق بعد ذلك فرصهُ ضعيفة خصوصا ما نراه الآن من اختلاف أولويات وبرامج المعارضة ما بين إئتلاف وتنسيقية، لا نريد أن نضع مشروع الحكومة المنتخبة على المحك بنسبة نجاح ضعيفة بينما نسبة فشله أكبر، نظريا الخطة جميلة في تشكيل الضغط اللازم على السلطة لكني هنا أحاول التجرّد من الآمال والنظر بموضوعية لهذه الخطة والتي أرى نسب فشلها أكبر من نسبة نجاحها. 
ويذكر مسلم البرّاك في خطابه العقبة الثانية والتي أشار لها سريعا في نهاية خطابه وهي : فيما لو لم تصل الأغلبية التي تحمل مشروع الحكومة المنتخبة؟ ماذا لو وصل واحد فقط يحمل المشروع -كما ذكر البرّاك ذلك-؟ من البديهي أن نقول أن الخطة فشلت ونعود لقواعدنا لنعيد حساباتنا ونقيّم خططنا، لكن للإئتلاف رأي آخر، يقول البرّاك: “سوف أخرج من الجلسة، وسآتي اليوم الثاني لأقدّم استجوابًا بأنّ الأمّة ترفضك يا رئيس الوزراء!” ويحق لنا التساؤل ما فائدة هذا الفعل في تحقيق الحكومة المنتخبة؟ وعلامَ يستند هذا الإستجواب من نصوص دستورية؟ خروجك لن يعطّل الجلسة، واستجوابك محاولة يائسة في ظل انتصار السلطة على أهداف الحراك، بل إني أتسائل سبب عدم طرح موضوع الإستقالة خيارًا؟ ثم يعلل البرّاك هذا التصرف أنه يستنير بفعل أحمد الشريعان الذي كان لوحده يطالب بفصل ولاية العهد عن رئاسة الوزراء حتى حقق مبتغاه، وشتان بين هذا وذاك، شتّان بين قرار لا يضر صلاحيات السلطة ولا يسلبها قوّتها، وبين مشروع متكامل يسلب منها كل ذلك.
يذكر البرّاك في كلمته منتقدًا سوء اختيارات السلطة لرئيس الوزراء : ” ومطلوب منّا كشعب أن ندفع ثمن هذه الإخفاقات!” أعقّب: ومطلوب منّا كشعب أن ندفع ثمن سوء تخطيط المعارضة؟ مما يجعلني أسأل نفسي، أهي حقاً خطة أم مجرّد برنامج انتخابي؟ لم ننتهِ من هذه النظرات، في المقال القادم هناك المزيد.
@ABO_AFNAN