أقلامهم

فيصل أبوصليب: قانون الصوت الواحد لم يكن سوى تكتيك مؤقت لاستيعاب وامتصاص المتغيرات الإقليمية.

كلمات
الدفع إلى الوراء
كتب د. فيصل أبوصليب
 
الكويت في حالة ترقب، والهدوء الذي نشهده اليوم ليس من الضروري أنه يُعبّر عن حالة استقرار سياسي، كما أنه ليس من الحتمي أيضاً إنه مؤشرٌ لحالة استسلام، ولكنه قد يكون مرحلة انتظار، وإعادة ترتيب الأفكار، واستعدادٌ لمرحلة قادمة بدأت ملامحها تتضح ومطالبها تتبلور، وأهمها تطوير النظام السياسي الحالي وانتقاله لخطوة أعمق في جوهرها الديمقراطي من خلال تحقيق فكرة الحكومة المنتخبة، أو البرلمانية، والتي بدأت تُناقش علناً وبشكلٍ مستفيض، وأصبح هناك توجه، لا يستهان به، في الرأي العام المحلي، يتبنّى هذه الفكرة ويسعى لتحقيقها على أرض الواقع، وهذا هو ربما ما جعل الطرف الآخر في السلطة يسعى إلى محاولة تعطيل الوصول لهذا النموذج، من خلال تقويض قدرة التيارات السياسية في السيطرة على عملية صنع القرار في السلطة التشريعية، ومن هنا جاءت فكرة الصوت الواحد، فهذا القانون الجديد لم يأت من فراغ، بل هو كغيره من القرارات الداخلية أو الخارجية التي تتخذها أي سلطة في العالم، لا بد أن يكون متأثراً بمجموعة من العوامل الداخلية والخارجية، وحتى الذاتية المتعلقة بمتخذي القرار. ولذلك فإنه من يقوم بتحليل المشهد السياسي سواءً في محيطه المحلي أو الإقليمي وحتى الدولي، يجد بأن الظروف المحيطة لم تكن أبداً في صالح السلطة، من سيطرة غير مسبوقة للتيارات السياسية المعارضة على أغلبية مقاعد المجلس، ومن تغيرات سياسية جذرية في المنطقة جاءت بالتيارات الإسلامية للسلطة في بعض الدول الرئيسية فيها، ومن هنا كانت هناك قراءة معينة للموقف السياسي الداخلي والخارجي، ومثلما أدت القراءات السياسية للسلطة في حوادث سابقة إلى تزوير الانتخابات وحلٍ غير دستوري للمجلس أو إعادة توزيع للدوائر الانتخابية، جاءت القراءة هذه المرة مختلفة، من خلال قانون الصوت الواحد، الذي لا يلغي كليةً الديمقراطية في مظهرها الشكلي المتمثل في المجلس، ولكنه من جانبٍ آخر يُقلّص المشاركة السياسية الشعبية الحقيقية، ويضعف قدرة التيارات السياسية على التأثير الفعلي في عملية صنع القرار.
ومن هنا تأتي أهمية استيعاب المرحلة الحالية التي نعيشها، فقد تكون مرحلة مفصلية في التاريخ السياسي الكويتي، وقد تؤدي إلى تفريغ التجربة الديمقراطية من محتواها ومن تاريخها، ولكن المسار التاريخي لهذه التجربة وللتحركات الشعبية يشير إلى غير ذلك، فهو يعكس مدى قوة تمسك الشعب الكويتي بمكتسباته الدستورية وبديمقراطيته، ولذلك فإن كل الشواهد تشير إلى أن قانون الصوت الواحد من الصعب استمراره في المرحلة القادمة، وهو إن لم يسقط في المحكمة الدستورية، فإنه سوف يسقط مع مرور الوقت ومن خلال استمرار الرفض الشعبي له، والذي سوف يجعل من الصعوبة بمكان الاستمرار في العمل به وتطبيقه، ومن هنا فإنه قد يكون هناك اقتناع لدى السلطة بأن هذا القانون وما نتج عنه من مجلس لا يُعبّر عن الأمة لن يستمرا لفترة طويلة، وبالتالي فإن قانون الصوت الواحد لم يكن سوى تكتيك مؤقت لاستيعاب وامتصاص المتغيرات الإقليمية ولدفع أفكار الإصلاح السياسي ومن بينها الحكومة المنتخبة إلى الوراء قليلاً.