الصحافة الحرة في الدولة الديموقراطية.. مدرسة للثقافة الفكرية
بقلم.. فهد عبدالرحمن المنوخ
تتطلب الدولة الديموقراطية إلى صحافة وإعلام حر، ويكون ذات سيادة مستقلة عن الحكومة، لكي يعبّر الشعب عن رأيه بحريه من دون أي ضغط تمارسه السلطة لأنه لا يمكن ممارسة الديمقراطية دون صحافة حرّة ومستقلة، مكتوبة كانت أو مرئية أو مسموعة.. الصحافة الحرة هي مدنية وليست حكومية في تكوينها، تعكس بمختلف اتجاهاتها وجهات نظر الناس وتفكيرهم وتطرح عليهم آراء ومواضيع كثيرة للنقاش وتوضّح وتشرح مشاكل المجتمع، كل هذا يؤدي إلى توعية كبيرة للمواطنين وتطور للديمقراطية.
المصدر الأهم للثقافة السياسية لأكثر الناس تأتي غالبًا من الصحافة، هذه المدرسة الديمقراطية حيوية لشحذ عقول الناس وضمائرهم للدفاع عن حقوقهم أمام جبروت الحكومة وغيرها من أصحاب السلطات المتنوعة من مالية إلى دينية.
يمكن أن تتحوّل حرية الصحافة من الإيجابية إلى السلبية، إن الصحافة غير الملتزمة سياسيًا، يمكن أن تعرض الأمور المعالجة لصالح المواطن الحاضرة والمستقبلية دون مواربة وحسابات كسبية وخسارات سياسية، لكن من جهة أخرى عدم الالتزام هذا قد يؤدي إلى إهمال العمل النقدي الجاد، أو متابعة الأحداث بشكل سطحي ومغري للجماهير دون فائدة إعلامية ودون مسؤولية اجتماعية.
الصحافة الحرّة تضع فاصلًا واضحًا بين الصحافيين ومالكي الصحافة، لا دخل للمالك بما ينشر في الصحيفة، المسؤولية المباشرة تعود بالدرجة الأولى إلى الصحفي الذي يكتب تبعًا لقناعته، وبما أنه من الصعب الوصول إلى استقلالية كبيرة لكل الصحافيين، فمن المفضّل أن تكون ملكية الصحيفة للصحافيين أنفسهم كما هو الحال مثلًا في الجريدة الفرنسية “لوموند”، أو أن تكون لهيئة مستقلة عن الدولة كهيئة الإذاعة البريطانية أو راديو كندا، هذه الإذاعات الوطنية مستقلة عن الحكومة والأحزاب السياسية وتوجهاتها.
تعدد مصادر الأخبار والتعليقات والمناقشات ضروري للحصول على معلومات صحيحة وسهلة الفهم، الصعوبة اليوم هو الوصول إلى اقرب مسافة من الحقيقة في بحر من المعلومات المتنوعة من حيث الكمية والنوعية.
وجود وزيرًا للإعلام، كما هو الوضع في كثير من الدول العربية الديكتاتورية هو تعد سافر على حرية الرأي في هذه الدول، لأن “ضمانة” الحرية الأساسية للصحافة لا يمكن وضعها في يد الحاكم.
بزوغ الانترنت والصحافة العالمية وجملة المحطات التلفزيونية المحلية والفضائية فتحت أمام كافة الشعوب وخاصة المستعبدة منها من قبل حكامها، إمكانيات هائلة لا يمكن التكهن بتأثيرها على مدى بضع سنوات، المواطن في هذه الدول في حال وصوله إلى هذه الوسائل سوف تتبدل نظرته إلى كثير من “بديهيات” سياسات بلاده بمقارنتها مع سياسات دول تحترم مواطنيها وتقدم لهم خدمات وشروط عمل وتتقيد بأخلاقيات تسيير الدولة دون نهبها وتخريبها عن عمد أو جهل، يستطيع أي مواطن عربي مهما قلت ثقافته، أن يقارن بين حياته وحياة الآخرين والاستماع إلى وجهات نظر مختلفة عن وجهات نظر وزراء الإعلام، أما الاتصالات الفردية عن طريق الانترنت، رغم محدوديتها، فهي تحدّ من سيطرة الدولة على ضمائر الناس وغسل أدمغتهم.. من الملاحظ عالميًا أن نسبة الاشتراك بالانترنت منخفضة في البلاد الديكتاتورية وهي تحت مراقبة مشددة.
لكل وسيلة حسناتها وسيئاتها، هنالك ما ينشر في صحف عالمية أو إذاعات معروفة بموضوعيتها ونزاهتها وجدية عملها واستقلالها عن السياسيين والمنتفعين ماليًا أو مذهبيًا أو دينيًا.. ولكن هنالك بالمقابل “فضائيات” لم تزل تعيش تحت مظلة رئيسها القائد الملهم أو تحت تأثر رجال الدين تبث جهلها ونفاقها لكل أطراف المعمورة، هنالك أيضًا زحمة التداخلات والمداخلات الهائلة العدد بالانترنت، الضياع وإضاعة الوقت في هذه الحالة يؤدي إلى خمول في البحث الجدي والابتعاد عن النقد والتمحيص.
ولكن مع الوقت يمكن للمواطن تحديد الطريق والمواقع والوسائل الأكثر نفعًا والاستفادة منها إيجابيًا، المهم الانفتاح الفكري دون متاهة ودون تحرك عشوائي أمام الانترنت وغيرها من وسائل الإعلام.
أضف تعليق