أقلامهم

حسن جوهر: مشكلة الحكومة دائماً تكمن في قصر نظرها وردود الفعل الآنية.

قانون النشوة السياسية 
كتب المقال: د. حسن عبدالله جوهر
استعراض الحكومة لعضلاتها من جديد، وهذه المرة عبر مشروع قانون الإعلام الموحد، ليس بالأمر المستغرب، فمن جهة يعكس هذا التوجه روح النشوة بالانتصار السياسي للسلطة في معركة الدوائر ونظام التصويت خصوصاً بعدما بدأت انشقاقات المعارضة تظهر على السطح، وتم إشغال رموزها ومؤيديها بأروقة المحاكم.
ومن جهة ثانية، بالتأكيد ستستغل الحكومة المجلس الجديد ليكون “ممشة” زفر لهذا القانون، خصوصاً أن هذا المجلس لم يثبت أنه حكومي أكثر من الحكومة فحسب، بل عكس جوانب قبيحة جداً من الخصومة الشخصية، وما زال يعيش عقدة أن هذه فرصته الوحيدة للانتقام من معارضيه في سابقة قد لا تتكرر مرة ثانية في أي انتخابات وإن كانت بصوت واحد.
ولو تتبعنا عقلية الحكومة عبر مسيرتها التاريخية لوجدنا أنها كانت دائماً تجمع بين العبث السياسي خصوصاً تجاه مجلس الأمة، وتقليص الحريات تحديداً، حيث تكرر السيناريو الذي نعيشه مع المجلس المزوّر عام 1967 ثم بعد الحل غير الدستوري في عامي 1976 و1986.
ومشكلة الحكومة دائماً تكمن في قصر نظرها وردود الفعل الآنية، وقد لعب الحظ والظروف وفشل المعارضة في كل مرة دوراً مهماً في نجاح هذه التكتيكات الحكومية لتكون مسرحاً جانبياً لإشغال الناس عن القضايا المحورية للبلد ومستقبله السياسي.
ولن أخوض في تفاصيل القانون الجديد للإعلام لأنها تحصيل حاصل، وقد سبق للحكومة أن تقدمت بمثلها ولكنها كانت دائماً تواجه بقوة في المجالس النيابية ذات الأظافر والأنياب، والحملة الإعلامية للصحف والمجتمع المدني هذه المرة هي الكفيلة بإرغام الحكومة على التراجع وليس مجلس الصوت الواحد، حيث بدأ بعض أعضائه يهللون ويطبلون مبكراً. ولكن يجب تنبيه هؤلاء النواب لعدم الوقوع في ذات الحفرة التي وقعوا فيها مرات عدة، وبمثل هذه السوابق ستدور عليهم الدوائر، فكنا نحذر أمثال هؤلاء في المجالس السابقة من وأد الاستجوابات وترحيلها وإحالتها إلى التشريعية أو الدستورية، ولكنهم كانوا يكابرون ويعاندون حتى أصبحوا هم ضحية مؤامراتهم السابقة، وإقرار أي قوانين لتكميم الأفواه وتقليص الحريات سيشلّ ما تبقى منهم أنفسهم اليوم وأجيالهم القادمة مستقبلاً.
وأما عن الجانب الحكومي وتسرعه اليوم في تقديم قوانين منتهكة للدستور ومصادرة للحقوق العامة، لا ولن تصمد في ظل ثورة المعلومات والاتصالات العالمية، وردود الفعل قد تكون أسوأ على سمعة السلطة وأبناء الأسرة أنفسهم، وهناك الكثير من الطرق والقنوات التي تلف القوانين الجائرة “تحت إبطها”، وإذا كانت بعض مواد القانون الجديد لحماية أبناء الأسرة، فعلى الحكومة أن تراجع أياً من الصحف الحالية تحولت إلى منابر لسب الشيوخ!
مشاكلنا اليوم في معظمها تدور حول طموحات الشباب ورفضهم القاطع لأشكال الفساد والتخلف وتردي أحوال البلد، وما تبقى من هذه المشاكل يمثل حالة الاحتقان والاصطفاف التي باركتها الحكومة ونفخت في أوداجها، فما علاقة القانون الجديد بهذا الوضع؟
هذه المشاكل بحاجة إلى ثقافة لمعالجتها وإلى حكومة واعية وغنية بالفكر والإخلاص لإدارتها، وهذا يتطلب أولويات أخرى ضيعتها البوصلة السياسية الحالية.
والأخ الفاضل وزير الإعلام من الشخصيات العاقلة والمحبوبة في الوسط الشبابي والشعبي، وتكمن في شخصيته ملامح الجيل القادم لأبناء الأسرة بما تحمل من دلالات إيجابية، وهو حديث العهد بالوزارة، ونتمنى أن يكون صمام أمان للمرحلة القادمة في تجاوز هذا “العزيزو” الجديد وقراءة المشهد السياسي بشقيه المحلي والخارجي جيداً!