أقلامهم

عواطف العلوي: الحكومة تعلم أن حصانة مسلم البراك الشعبية تفوق حصانته البرلمانية، لكنها تستعبط في غير محل.

مندهشة 
الفوضى تلد استقرارا..؟! 
عواطف العلوي 
حبست الكويت بالأمس أنفاسها، وحبْس الأنفاس هنا كان حقيقيا وليس مبالغة، وهي تترقب الحكم على زعيم المعارضة الشعبية مسلم البراك في قضية المساس بالذات الأميرية، وتنفست الصعداء وأرخت أعصابها المشدودة فور صدور الحكم بإخلاء سبيله بكفالة مالية قدرها خمسة آلاف دينار. ولعلها نقطة تُحسَب لصالح الحكومة تضيع في بحر أخطائها وهفواتها، لكن فعلا هذا الحكم نزع فتيل انفجار كاد أن يقع بين الشعب والسلطة عبر تصادمات ومواجهات، الجميع يعلم مدى شدتها وعنفها وتداعياتها على الطرفين وعلى البلد بشكل عام وأمنه واستقراره.
فرحة المواطنين بهذا الحكم بل وحتى رجال الأمن الذين كانوا موجودين في قاعة المحكمة وخارجها الذين صفقوا لا إراديا وهللوا فرحا بإخلاء سبيل البراك، هذه الفرحة العارمة التي امتدت حتى شعر بها مواطنو دول مجلس التعاون الذين شاركونا لحظة بلحظة مشاعر الترقب والقلق قبيل صدور الحكم، أقول هذه الفرحة ألا تعني شيئًا للسلطة؟! هل مازالت «مقفلة» ولا تستوعب قياسات ومساحة وحجم وطول وعرض الشريحة الشعبية المعارضة التي يمثلها البراك ويعتبر رمزا لها؟ (أخرج الخوارزمي داخلك)!  
أنا واثقة وأجزم أن الحكومة تدرك وزن البراك شعبيا، وتعلم جيدا أن حصانته الشعبية تفوق حصانته البرلمانية، لكنها تستعبط في غير محل ولا وقت الاستعباط الذي يكاد يضيع بلدا بأسره، والدليل هو الاستنفار الأمني الذي ارتفع إلى اللون البرتقالي في قصر العدل وما حوله إبّان جلسة المحاكمة، ما يعكس درجة الرعب من شخص لا يملك جيشًا ولا سلاحًا، لكنه يملك ما هو أقوى وأخطر من الجيش والسلاح، قوة الدعم الشعبي المتحمس للصدام باستماتة مع السلطة دفاعًا عن رمزه.
نعم هناك اختلاف في الآراء بين مؤيد ومعارض حول تصرُّف مسلم البراك الأخير بعدم تسليم نفسه إلا بكتاب رسمي يحمل صيغة الحكم الأصلية، ولكن هذا التصرف كان ممكنا احتواؤه وإنهاء الأزمة بإبراز الحكم، وكانت الحكومة بهذا ستكسب تأييدا شعبيا واسعًا، وكانت ستُعدُّ نقطة قد تقنعنا بأن مخ الحكومة يحمل في تلافيفه خلايا نشطة فعالة، لكنها أبت إلا أن تحافظ على صورة الحماقة وفقدان الحكمة التي طالما دُمِغت بها منذ أمد ليس بقصير، ولا يلوح لي في الأفق القريب أي أمل بتغير تلك الصورة ما دام «هذا سيفوه وهذي خلاجينه»، فاستسهلت عقليتها محدودة البصيرة -بحجة فرض هيبة القانون- اقتحام بيت مواطن حرّم القانون انتهاك حرمته دستوريا بالمادة رقم (38)، التي تنص على أن «للمساكن حرمة، ولا يجوز دخولها بغير إذن أهلها، إلا في الأحوال التي يعينها القانون وبالكيفية المنصوص عليها فيه»، وانتشرت بعد ذلك الصور المؤسفة للاقتحام وما صاحبه من ترويع لسكان البيت، وامتهان كرامتهم وإذلالهم رجالا ونساء وأطفالا بلقطات لم نكن نتصور أن نراها يوما من الأيام تصدر من رجل أمن كويتي تجاه مواطن كويتي أعزل، حتى إن من يراها من دون عنوان يظن أنها صور لممارسات جنود عراقيين أيام الغزو العراقي الغاشم لبلادنا.   
أقول إن تخبط الحكومة هذا هو ما سيدفع الكثيرين للتمترس خلف معارضة قد لا تكون بمستوى الأماني والطموحات المستقبلية المنشودة، معارضة تفتقد حتى الآن التنظيم والتنسيق ووضوح الرؤية، لكنها تظل القوة الوحيدة في الساحة التي تقف بشراسة وجسارة مقابل استبداد الحكومة وانتقائيتها في تطبيق القوانين.
حسبي الله ونعم الوكيل، شغلتنا الحكومة بممارساتها، وللأسف فإن الخاسر هو شعبنا حين ينخفض سقف أحلامنا ومشاريعنا حتى بات إخلاء سبيل صاحب رأي.. هو أقصى ما نطمح إليه.. ونفرح به..!