صدى الكلمة / الالتباس في فهم المقاصد
د. يعقوب أحمد الشراح
يلتبس على الكثيرين فهم رغبات ونوايا الآخرين، ويقعون في مشكلات لا أول لها ولا آخر بسبب الخطأ في الربط بين الرغبة والاستجابة أو بين المثيرات والاستجابات. هذا واقع يمكن ملاحظته في شتى المعاملات والعلاقات بين الناس أو بين الحكومات والشعوب أو حتى بين الدول المختلفة. فقد يأتيك شخص طالباً العون بقليل من المال بسبب صعوبات يواجهها ثم تتفاجأ أنه استخدم هذا المال بطريقة غير مشروعة كشراء المخدرات، وكذلك قد تتبرع بالمال لجهة معينة تريد مساعدة الفقراء والمحتاجين لكنك تتفاجأ باستخدام هذا المال في تدريب الإرهابيين على قتل الآخرين.
الحكومات أيضاً تسعى لطلب العون والمساعدة من حكومات أخرى،لكن هذه المساعدة إذا كانت على شكل مال فإنها قد تذهب إلى جيوب أصحاب السلطة والنفوذ، وقد تستخدم دول علاقاتها الوطيدة مع دول أخرى في التهيئة لشن حرب عليها أو غزوها دون أن تدري هذه الدول أهداف التقارب أو مظهرية المحبة والأخوة. أمثلة عديدة تعكس لنا بوضوح صعوبة فهم النوايا والمقاصد، فما يظهر على العلن ليس بالضرورة هو ما يبطنه الإنسان ويعتقد فيه بداخله، أو يسعى لتنفيذه.. ظاهرة كهذه تدخل الناس في الكثير من المشاكل، وقد تؤدي إلى أضرار بالغة لأناس أبرياء.
هذه المقدمة الطويلة أردنا بها أن نوضح أن المقاصد أحياناً وإن كانت تبدو نبيلة في الظاهر قد تؤدي إلى انعكاسات سلبية غير محسوبة. فنحن عندما نتقصد راحة الناس من خلال ما يسمى بالقرارات الشعبية كزيادة القرض الإسكاني وبدل الإيجار، وإدخال زيادات وكوادر ومميزات مثلاً فإن ذلك لا يعني بالضرورة أنها إيجابية لكل الناس أو أنها تعينهم على حل مشكلاتهم رغم تفاوتها في الدرجة بينهم. ومع أن المقاصد مختلفة وتستهدف أشياء متباينة إلا أنها في معظم الأحوال تعبر عن حالات محددة في العلاقة بين طرفين أو أكثر لكنها في الغالب تترجم ما في النفس من أجل تحقيق غايات معينة..
فعندما نقول أن الدولة تقصد التنمية فإننا ندرك الهدف نحو ترقية الخدمات وجودتها، والتسهيل على الناس في العلاج والتعليم، وبناء الطرقات، وتطوير الإدارة وغيرها من مسائل مهمة تتصل بمعيشة الناس كتوفير فرص العمل والسكن، ومحاربة الفساد المستشري في كل مكان. فلابد أن تكون المقاصد في هذه الحالة تصب في الصالح العام وليس في خدمة فئة معينة أو تقديم حلول للخروج من ضغوطات سياسية أو مقايضات تكون على حساب الصالح العام.
وعندما نبحث في الشأن السياسي الذي يزدحم فيه الخداع واللف والتضليل، فإننا من السهل أن نكتشف الاختلافات في الرأي والمقاصد بين التيارات والكتل السياسية حيث ترى كل مجموعة أن التغيير يجب أن يصب في اتجاهاتها ومصالحها، وكثيراً ما يحدث في هذه الحالة الالتباس في إدراك المقاصد حتى لو كانت كما يقال أحياناً أنها مقاصد نبيلة تصب في المصالح العليا للناس والبلاد. إن ذلك يعني أن المقاصد تتأثر كثيراً بالأفكار والاتجاهات ومعتقدات الناس.
ولإيضاح شكل الالتباس في التوصل إلى المقاصد مطالبة البعض مثلاً بتغيير الدستورمن أجل تحصين النشاطات السياسية التي يقوم بها بعض السياسيين والمتمذهبين في اتجاهات ليست بالضرورة تخدم المجتمع. كذلك قد يؤدي تباين المقاصد إلى الدخول في خلافات سياسية ونزاعات بين الأطياف، بينما آخرون يرون أنه نهج سليم ديموقراطي يؤدي إلى تطوير المجتمع. هذا التباين في الرؤية قد يكون نتيجة لغموض أو إدراك ملتبس للهدف. لهذا يرى الكثيرون أن توضيح القصد يجب أن يتقدم على النشاط الذي يستهدف فرض الرأي، وأن يكون هناك قبول جماعي لهذا الرأي أو ذاك. وكذلك ينبغي على الدولة أن توضح مقاصدها من قراراتها وتوجهاتها حتى لا يحدث الالتباس الذي يؤدي إلى الكثير من الخلافات والنزاعات، وربما تعطيل المشاريع والإنجازات، والصراع بين الناس بسبب خلافاتهم الفكرية والأيديولوجية. إن إيضاح المقاصد يعين أيضاً على محاربة الإشاعات التي تساهم في خلق الفتن. والنزاعات بين الناس.
أضف تعليق