كتاب سبر

هات شاي يا حراك

هات شاي يا حراك
بقلم.. فالح بن حجري 
خذل وضعنا السياسى الدكتور عبد الله النفيسى مرتيّن.. المرة الأولى عند حادثة اعتقاله الشهيرة أثناء دواوين الاثنين “وبأمارة ”  كما يقول المصريون (ياولد هات سكر الشاي مُر)، والمرة الثانيه عند ممارستنا لعلومه السياسية بحسب تساهيل علوم ردّات أفعال نيوتن، لا وفق ما تعلّمه النفيسى من قواعد السياسة ودرّسه للأجيال عبر مشواره الطويل.
المرة الأولى.. كَفّرنا عنها وسقنا ديتها مسلمة للنفيسى أثناء استبدال الشارع للعبارة الأولى بعبارة: (سكر الشارع يا ولد الشأن العام مُر)، وهو ما تحقق فى تفاعل الشارع مع الأحداث السياسية، وخاصةً أثناء حادثة إلقاء القبض على مسلم البراك، وقبلها فى اعتصام التضامن مع المحتجزين ومتابعتهم لحظة بلحظة وتكوين لوبي ضغط شعبى قوي مطالب بالإفراج عنهم.
أمّا المرة الثانية.. فما زالت فى رقبتنا للدكتور النفيسي، وما زلنا نتعامل مع الأحداث السياسية وفق منهج تساهيل الهجمات المرتدة، رغم أننا نعلم يقيناً أن كرة الأهداف مازالت “تتنطط ” فى ملعبنا، وأن ما تتناقله أرجلنا ونهاجم به هو  “كُرة” وبغض بعضنا لبعض فقط.
بعد إبطال مجلس 2012.. لم تتوحّد معارضة الأغلبية كما تستوجبه ظروف المرحلة، بل أصابها والعياذ بالله مرض التوحّد والذي أدعوا الله سبحانه أن يشفى كل من ابتلى به، وأدعوه راجياً فضله تعالى أن يتفضّل علينا ويشفى حراكنا من أهم اعراضه الكبرى الثلاث، وهى عدم الاستجابة للأصوات المألوفة والاستجابة فقط إلى اصوات أخرى محدودة، وهو حاصل حاليًا للأسف بدلالة أن دعوة الدكتور عبيد الوسمى وغيره للحوار مع مختلف الأطراف قد قمعت وخوّن صاحبها، بينما عندما أتت نفس الدعوة من أطراف أخرى رُحب بها كان صاحبها هو مسيح الخلاص لدينونةالحراك، والعرض الآخر لمرض توحّد الحراك هو عدم الاستجابة لمشاعر المخلصين من أبنائه كما هو حال المحامى الفذ دوخى الححصبان وغيره أيضاً من الداعين لوقف الحرب الأهلية الحامية وطيسها والدائر آوارها بين أطراف الحراك والتحلي بروح الفريق الواحد ذو الهدف الواحد، أمّا العرض الثالث والواضح جداً فهو عدم قدرة الحراك على تشكيل الجمل المتراكبة الصحيحة التي يستطيع واقع الحال أن يهضمها، فمعظم ما يتم طرحه لا يكون جملة واحدة مفيدة، فلا نحن نعرف ما السبيل إلى الحكومة المنتخبة فى ظل دستور لم يتطرّق إليها بصورة واضحة، وغياب كامل لأصحابها الداعين لها عن قبّة عبد الله السالم، ولا نحن نعرف السبيل إلى مواجهة حكم دستوري ربّما يحصّن فى شهر يونيو المراسيم، ويضعنا فيما بين مطرقة الانتخابات وسندان الدستور، والأهم من كل هذا أننا خلال الأحداث الماضية لا نعرف ما السبيل إلى تحييد القضاء عن مشاكلنا السياسية واحترام استقلاليته، ما دمنا فى كل مرّة نضع رقابنا تحت مقصلة نصوص قوانينه وبشكل مثير للاستغراب، خصوصًا مع معرفتنا التامة للنصوص جيداً بحكم التجربة كما نعرف تبعاتها تماماً كما يعرف أحدنا ولده.
وحدة المعارضه تختلف عن توحدها.. فالأول مُرضي لمستقبل الحراك ما دامت الغاية واحدة، والآخر مجرّد عرض مَرضي لمرض توحّد ابتلى به الحراك حتى فرق غاياته شذر مذر، وجعله محتاجاً وبشدة إلى نقاهة جلسة مصارحة فضفاضة تؤدي إلى توافق على الأهداف الدنيا على الأقل لأطراف الحراك، ومن يدري لعلّنا أخيراً نسمع وسط بحيرة النيات الصافية عبارة : (يا ولد هات سكر الشاي مر).. موقنين أنها أصول الضيافة لا أكثر، وبدون أن نخشى من ورائها خذلان أنفسنا قبل خذلان الدكتور النفيسي.