يبدو أن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية قد قطعت على نفسها عهدًا أمام الجميع بأن تقدّم بين الحين والآخر، حلقة جديدة من حلقات مسلسل الفساد “المعشعش” في هذه الوزارة ذات الصراعات المتعددة.
فبعد أن تراجع وزير العدل ووزير الأوقاف والشؤون الإٍسلامية شريدة المعوشرجي مؤخرًا عن قرار غير مدروس ـ وفق إفادة أهل الاختصاص والدراية ـ بتنفيذ حركة تدوير شاملة على مستوى مدراء ومراقبي قطاعات الوزارة المختلفة، وذلك بعد أن اتّضح للعيان أن قرار التدوير ـ سيء الذكر ـ قد اتخذ في ظل غياب مصلحة العمل في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وتحت ضغوط وممارسات ووفق إملاءات “وكيل وزارة مساعد” عرف بتدخلاته الواسعة في عمل الوزارة بشكل فاضح، ها هو مسلسل الفساد يستمر، وها هي المستندات تطالعنا بجديدها، وتؤكّد لنا بالأدلة والبراهين أن “الشق عود” في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وأن بعض أصحاب القرار يمتلك سجلًا في الفساد والتجاوزات لا تحمله “البعارين”.
حيث جدد قرار مجلس الخدمة المدنية في الكتاب رقم (201001018070) بالموافقة على مكافآت العاملين على بند التكليف خارج أوقات الدوام الرسمي في قطاع المساجد بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المخاوف من انتقال عدوى التجاوزات المالية وحالات التزوير في المحاضر الرسمية إلى قطاع المساجد.
المستندات التي حصلت عليها ((سبر)) تكشف بالأدلة الدامغة وجود تلاعب وتجاوزات مالية خطيرة، وعملية تزوير في محاضر رسمية بشكل منظّم وممنهج، وبالاتفاق بين عدد من المسؤولين في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والحديث هنا يتعلّق بملف التكليف والمخصصات المالية التي تصرف للعاملين تحت هذا البند في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، حيث أشارت موافقة ديوان الخدمة المدنية على بند التكليف خارج أوقات الدوام الرسمي في الكتاب الموجّه إلى وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية برقم 1744 والمؤرخ في11/4/2006، ردًا على كتاب وزارة الأوقاف الصادر بهذا الشأن إلى ديوان الخدمة برقم 5164 المؤرخ 29/1/2005، وكما أكّد ذلك كتاب ديوان الخدمة المدنية رقم (م خ م /324 / 14 / 2006) الموجّه إلى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والذي أشار إلى أن مجلس الخدمة المدنية باجتماعه رقم (3 / 2006) قد قرر الموافقة على النظام المالي لمكافآت المكلفين في دور وحلقات تحفيظ القرآن الكريم بإدارتيّ الدراسات الإٍسلامية وشؤون القرآن الكريم اعتبارات من1/ 4 /2006.
لكن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ومن خلال لجنة التكليف التي شكلت في القرار الإداري رقم (1141 / 2012) برئاسة السيد الوكيل المساعد للشؤون الإدارية والمالية المهندس فريد أسد عمادي، عمدت إلى مخالفة قرار مجلس الخدمة المدنية المشار إليه سابقًا، من خلال تكليف أعداد هائلة من الموظفين في قطاعات لا يحق لها الاستفادة من بند التكليف المخصص لقطاع شؤون القرآن الكريم والدراسات الإسلامية في وزارة الأوقاف، وهو ما يؤكّده الجدول المرفق والذي يوضح تكليف عدد (262) شخصًا في قطاع الشؤون الإدارية والمالية غير المدرج تحت مظلة قطاع القرآن الكريم والدراسات الإسلامية، منهم (12) في مكتب الوكيل المساعد للشؤون الإدارية والمالية، الذي يشغل منصب رئيس لجنة المكلفين المختصة بتطبيق قرارات مجلس الخدمة المدنية والتأكّد من قانونيتها، ما يعني أن رئيس لجنة المكلفين وعضو لجنة متابعة تطبيق لائحة التكليف المقررة من قبل ديوان الخدمة المدنية كان أول من “داس في بطن” هذه اللائحة.
بالإضافة إلى تكليف (125) شخصًا في قطاع الثقافية، منهم (15) مكلفًا في مكتب الوكيل المساعد لشؤون الثقافة، وكذلك (79) في مسجد الدولة الكبير، وعدد (55) مكلفًا في قطاع العلاقات الخارجية منهم (19) في مكتب الوكيل المساعد للعلاقات الخارجية، وعدد (61) مكلفًا في قطاع التخطيط والتطوير منهم (18) في مكتب الوكيل المساعد لشؤون التخطيط والتطوير، بل تعدّى الأمر إلى انضمام مكتب وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ذاته إلى ركب المستفيدين بصورة غير قانونية من بند التكليف، حيث يعمل في إدارة مكتب الوزير (28 ) مكلفًا.
تلاعب وتزوير
كما يتّضح أن موافقة ديوان الخدمة المدنية حددت التكليف في إدارتيّ شؤون القرآن الكريم وإدارة الدراسات الإسلامية، لكن وزارة الأوقاف لجأت إلى تكليف موظفين من خارج الإدارتيّن على أنهم من داخلهما، بل تعدّت ذلك إلى تزوير محاضر رسمية، حيث يعمد القائمون على ملف التكليف في الوزارة، عند زيارة ديوان المحاسبة، إلى تغيير مقر العمل الخاص بالمكلفين المخالفين لقرار مجلس الخدمة المدنية على برنامج العاملين في الوزارة، وتوزيع هذه الأسماء على الإدارات المقرر لها الاستفادة من بند التكليف، بحيث يصبح جميع المكلفين بما فيهم العاملين في مكتب الوزير والوكلاء المساعدين وقطاع المساجد والمالية والإدارية وقطاع الثقافية، مسجلين على إدارتيّ شؤون القرآن الكريم الدراسات الإسلامية، بعد تقديم ما يثبت ذلك لموظفي ديوان المحاسبة أثناء زيارتهم الدورية لوزارة الأوقاف.
وهنا يجب أن نشير إلى أن نهج القائمين على بند التكليف في وزارة الأوقاف وتحت أنظار لجنة المكلفين التي تباشر فور بداية الزيارات التفقدية لديوان المحاسبة بطباعة كشوف مزورة لمقر عمل عدد كبير من المكلفين العاملين في إدارات لا يحق لها استخدام بند التكليف، بحيث تقوم إدارة الشؤون الإدارية بإضافة هذه الأسماء إلى قطاع شؤون القرآن الكريم والدراسات الإسلامية وتقديمها للجهات الرقابية، وبعد مغادرة أعضاء هذه الجهات يعود الوضع إلى ما كان عليه في الأصل، وهذا الأمر يعد بلا أدنى شك تزويرًا في محاضر رسمية، يعاقب عليها القانون، كما أشارت المادة 259 من قانون الجزاء الكويتي “إذا ارتكب التزوير في محرر رسمي أو في أوراق البنوك، كانت العقوبة الحبس مدة لا تجاوز سبع سنوات، ويجوز أن تضاف إليها غرامة لا تجاوز سبعة آلاف روبية”.
عين عذاري
يبدو أن وزارة الأوقاف أصبحت “عين عذاري” التي يضرب بها المثل في سقي البعيد وترك القريب، حيث أقرت اللجنة المشكلة وفق القرار الإداري رقم (2333 / 2012) برئاسة وكيل الوزارة د.عادل الفلاح عدد من الضوابط، منها منع قطاع شؤون القرآن الكريم والدراسات الإسلامية من الاستفادة من بند التكليف، سواءً وقف استبدال المكلفين، أو تغيير المسميات، أو التكليف خلال فترة العطلة الصيفية وعطلة الربيع أو حتى تغيير مراكز العمل خلال الأيام المذكورة للمكلفين العاملين في القطاع، وكأن الأمر أشبه بالعقاب الجماعي لقطاع القرآن الكريم والدراسات الإسلامية، من جانب، ومن جانب آخر منح الفرصة الكاملة للقطاعات الأخرى المخالفة لقرارات مجلس الخدمة المدنية للاستفادة من هذا البند.
وما زاد الطين بلة إقرار توصية رئيس لجنة المكلفين المهندس فريد عمادي بمنح جميع الموظفين العاملين على بند التكليف إجازة “إجبارية” لمدة شهريّن بدون مرتّب، وهذا القرار وإن كان ظاهرة كما يدعي رئيس لجنة المكلفين توفير أكبر قدر ممكن من ميزانية وزارة الأوقاف، إلا أن مصادر ((سبر)) أشارت إلى الهدف الحقيقي من القرار هو توفير عدد من الدرجات الوظيفية على بند التكليف لتقديمها لكل موظف مستجد يمضي فترة شهرين في إدارتيّ الشؤون المالية أو الإدارية في الوزارة.
* الكلفة المالية للتجاوزات في بند التكليف بوزارة الأوقاف مضاف إليها أعداد المكلفين المخالفين:
أضف تعليق