كتاب سبر

قانون “تكميم الأفواه”

الكويت التي لطالما تغنينا بها في الداخل والخارج .. الكويت التي قاومت الجبروت والطغيان ودحرت العدوان على مر الأزمان .. الكويت التي تربعت على عرش الخليج لسنوات طويلة في الكثير من المجالات .. الكويت التي تحتضن الملايين من كل الجنسيات وتوفر لهم مصدر رزقهم الذي لم يجدوه في بلادهم .. الكويت التي تنعم بالأمن والأمان والوحدة الوطنية رغم اختلاف الرأي.. الكويت التي احتلت لأكثر من عام المركز الأول على الدول العربية ومركز متقدم على مستوى دول العالم في مجال احترام حرية الصحافة .. تشهد هذه الأيام موجة من التراجع إلى الوراء من خلال اصدار أحكام قاسية على أصحاب الرأي الذين يحاولون المطالبة بالإصلاحات والتنمية الحقيقية وليست التنمية الديكورية التي يصفق لها أصحاب المصالح.
ولعل الطامة الكبرى التي ستعيد الكويت إلى الوراء في مجال الحريات هي محاولة تمرير قانون الإعلام الموحد من قبل الحكومة ومجلس النواب الموالي والذي يهدف إلى إرهاب الكتاب والمفكرين وأصحاب الصحف والقنوات الفضائية ومستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي بالإضافة الى عقوبات على الصحف والتلفزيون في حال حدوث ما وصف بـ”التجاوزات الاجتماعية” كما أن القانون الجديد سيلزم أصحاب الصحف الإلكترونية بأخذ تصاريح خاصة لممارسة الأنشطة الاعلامية ليتم تقييدها وتسجيلها رسمياً في سجلات الوزارة وكذلك الحال بالنسبة للمدونات الإلكترونية وغيرها من المواد والنصوص الأخرى التي يتضمنها هذا القانون والتي أعدت بعناية لفرض الوصاية على وسائل الاعلام المرئية والمكتوبة وكذلك وسائل التواصل التي تستخدم عبر الانترنت.
لقد كنا نعتز ونفتخر بالمركز المتقدم للكويت في مجال إحترام حرية الصحافة طيلة السنوات الماضية وحتى عام 2009 الذي كان ترتيب الكويت فيه الأول على دول الشرق الأوسط والمرتبة الـ60 عالمياً طبقاً لتقارير المنظمات الدولية المتابعة للحريات في دول العالم ثم تراجعنا عن هذا المستوى في عام 2010 إلى المركز الثاني عربياً بعد لبنان ومن ثم تراجعنا إلى المركز الـ87 عالمياً  وفي عام 2011 تراجعنا إلى المركز الثاني عربياً بعد موريتانيا والمركز الـ78 عالمياً ويبدو أننا مستمرون في التراجع بقوة ونتنازل عن المكتسبات العظيمة التي حققناها في حالة تطبيق قانون الإعلام الموحد، وفي الحقيقة فإن هذه الأجواء الضبابية التي تحاول كتم أنفاس حرية الرأي والحريات الصحفية والفكرية تتطلب من اصحاب الرأي بها “الفزعة” للذين يحاولون أن يفصلوا لنا قوانين رجعية لا تتناسب مع الزمن الذي نعيش فيه الآن ومعطيات العصر والتطور التقني الذي ساهم في إنتشار المعلومات إلكترونياً وتمكين ملايين البشر من الاطلاع عليها بسهولة ويسر ويجب علينا أن ندرك أن المحافظة على نعمة الحرية والديمقراطية في الكويت تستدعي العمل الجاد والمخلص في تحصين هذه الحرية والتصدي لمن يحاولون الإساءة لها وتشويه صورتها واستغلالها لإثارة الفتن والنعرات والتحريض على الخروج عن النظام العام للدولة فالحرية الحقيقية هي في ضمان حق الفرد في التعبير عن رأيه بصورة إيجابية ومسؤولة وعدم التعدي على حريات الأخرين بأي شكل فإذا كانت الحرية تسمح لنا بالتعبير عن رأينا لكنها لا تعني الفوضى والانفلات والتعدي على كرامات الأخرين والتجريح.
وفي الختام نتمنى أن يطلع كل منا بمسؤولياته الكتاب والصحفيين والإعلاميين والمفكرين والمدونين وعلى الحكومة إعادة النظر في قانون الإعلام الموحد وعدم المضي قدماً في إصدار هذا القانون لكي تعود الكويت مرة أخرى وتتربع على عرش حرية الرأي في العالم العربي ولتبقى هذه الحرية منارة ومثال يحتذي به الآخرون .. اللهم أحفظ ديننا ووطننا من الفتن ماظهر منها ومابطن وأديم علينا نعمة الأمن والأمان .