أقلامهم

خلود الخميس: الازدواجية ديدن النقاش عندما تختفي معايير الحق والعدل.

حقيقة الحدود.. وأسطورة «المُخلِّص»!
خلود عبدالله الخميس
شاهدتُ أمس فيلماً إيرانياً موضوعه باختصار «رجم المرأة المحصَنة» (أي المتزوجة) وانتهى إلى أن الإسلام متوحش. ظالم. مسيء للمرأة. يفرق بينها وبين الرجل في الحقوق والواجبات ويفضله بالتشريع ولا يلزمه بشيء!
وأن «رجل الدين» يتحرش بالمرأة التي تطلق من زوجها وأيضاً يشهد ضدها زوراً ويكيد لها بخطة تلفيق لأنها صدته ورفضت عقد صفقة «زواج متعة» معه بمقابل أن يقنع زوجها بالإنفاق عليها وعيالها، ويمتعها بقليل من الأموال بعد أن يقضي منها وطرا!
وبيّن دناءة الأزواج المسلمين الأخلاقية بطرح قذف الرجل لزوجته في شرفها هروباً من دفع النفقة إن طلقها ثم يقتلها «تطبيقاً للحد رجماً» خشية ذلك إملاق مُدّعى! الفيلم عرض فظائع من العهر الغربي الذي دُس فيه لبيان ظلم الإسلام. وهنا سنفنده.
أولاً رغم أن الطرح الدرامي كان سيئاً جداً فلا يعنيني ذلك. ولستُ معترضة على موضوع الفيلم فلا يمنع تناول القضايا الدينية في الدراما السينمائية والمتلفزة أو المسرحية. بينما ما أتناوله في هذه السطور التلفيق على الإسلام من خلال عمل رخيص فنياً لا يتسم بالموضوعية في نقل «تشريع حد الزنا» كما جاء في الكتاب والسنة، بل بأسلوب «الاقتطاع النصي» الشبيه بالاستشهاد بالآية {ولا تقربوا الصلاة} بغرض تبشيع «تشريع الرجم» أولاً. وتصوير هول وحشية «التشريع» ثانياً في التركيز لمدة عشرين دقيقة على مشهد الرجم وتناثر الدماء وتصوير الألم. بطرح شبيه جداً بعرض الدراما السينمائية لمشهد «صلب المسيح» المُفتَرى. وأخيراً ليكون ذلك مدخلاً لتبرير تعطيل الحدود، ثم تعطيلها فعلياً!
خُتم الفيلم بأكل الكلاب للمرجومة لأن شيخ القرية «المعمَّم» رفض أن تُدفن! من أين جاء هذا الإسلام؟! لا نعلم في الإسلام هذا! ولا جزءا من هذا!
الفيلم يتناول الفترة بعد سقوط الشاه مباشرة وحكم «الملالي» لإيران وتحولها لجمهورية إسلامية. فمنطقياً الطرح الشرعي كان من تشريع المذهب الشيعي. وهنا نتساءل: هل المذهب الشيعي يتطلب في إثبات الزنا على المرأة المتزوجة شاهدين فقط؟ وهما: الزوج والذي مارست معه الزنا؟ ورغم الأسئلة الكثيرة التي من شأنها كشف شوائب الطرح، إلا أن هذا السؤال فقط كافياً لإسقاط فكرة القصة كاملة والقائمة على مقدمات مكذوبة. وبالتالي جاءت النتائج مثلها. وأظهرت ظلم «تشريع حد الزنا» في الإسلام!
الحقيقة أن الإسلام لا يسمح باتهام أحد بالزنا لمجرد الظن، أو التخمين، ‏أو الإشاعة، أو القول. وشدد الشارع على الشروط لثبوته. وقال الإمام ابن رشد: «وأجمع العلماء على أن الزنا يثبت بالإقرار وبالشهادة. ‏واختلفوا في ثبوته بظهور الحمل في النساء غير المتزوجات إذا ادعين الاستكراه» المصدر بداية ‏المجتهد (4/1725)، وقال أيضاً «اتفق العلماء على أن الزنا ‏يثبت بالشهود، وإن العدد المشترط في الشهود أربعة، بخلاف سائر الحقوق، لقوله ‏تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا ‏تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أبداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:4]‏.
وأيضاً من أدلة التشديد في القذف. قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ [أي: المهلكات]. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ) رواه البخاري ومسلم.
أما الشهود فيجب أن يكونوا عُدولاً، وفصّل في وجوب وصف الجريمة بالتصريح لا بالكناية. ولو تردد واحد من الأربع عند القاضي وتراجع يُجلد الثلاثة لحد القذف. ومن رحمة الله أن صعّب الشروط لحكمة يعلم منتهاها هو وحتى أن صعوبة الإثبات تصل درجة قريبة من الاستحالة لئلا يتساهل الناس في تهمة «القذف» في الشرف. فالإسلام حفظ للأعراض كرامتها وصانها.
فمن أي دين أتى كاتب القصة بخزعبلاته وزج في مشهد الرجل «تكبيرا» و «قرآنا» و «شيخا وعمامة»؟ بينما لم يقم الحد على الرجل وهو «شريك في الزنا» بتعدٍّ متعمد على عدل الشريعة في مساواة الذكر والأنثى بالثواب والعقاب!
فكرة «المخلّص» التي يؤمن بها النصارى بأن المسيح صُلِب وتحمل وحمل عنهم الآلام ليتطهروا. يدافع عنها متدينيهم بشدة كأحد أصول دينهم. ولا يقبلون لها دحضاً. رغم تناقضها مع أصل آخر عندهم أن المسيح هو الله. فكيف يصح لإله أن يتعذب بذنوب يُفترض بديهياً أن يكون قادراً على مغفرتها أو ألا تصيبه؟! هرطقاتهم ومن السهل ردها إليهم. ولكن لماذا يرفضون مبدأ «التطهير» الذي يتنادون لأسبابه عندما جعلوا من رسولهم إلها، ويرفضونه «في تطبيق الحدود عند الإسلام» كسبب لتزكية وتنقية وتطهير النفس والجسد من شوائب الرذيلة والمعصية وتسديداً لفواتير حق المُعْتَدى عليهم والمتضررين والمجتمع في الدنيا من إصابة الحدود.. قبل لقاء الله؟!
الازدواجية ديدن النقاش عندما تختفي معايير الحق والعدل. فما يرونه أصلا لديهم ينكرونه حتى كفرع لدينا، وما فعلوا ذلك إلا بأيدٍ منا.. مسلمون مشاركون لهم في جريمة الدحض أياً كانت!
أعلم أنه ليس إلا فيلماً ونحن لا نأخذ الحق في الدين من الدراما، ولكن أليس بالإعلام غزونا واقتحموا بيوتنا واستباحوا أفكارنا وكانوا شركاء في تنشئة أجيالنا؟
إذاً لنرد عليهم بوسائلهم، فلا أقل من فيلم يتبنى إنتاجه ثري مسلم يريد نصرة دينه. قصته يؤصلها شرعياً ثلة من علماء الأمة لعرض عادل وحق لكل الحدود الشرعية في الإسلام. أسبابها ونتائجها. وليس حد الزنا فقط، ويُعرض في كل المهرجانات العالمية ولو بأجر أياً كان. فمن لها؟!
ملاحظة: للتفصيل أرشح كتاب «منهج سورة النور في إصلاح النفس والمجتمع» للدكتور كامل سلامة الدقس.