أقلامهم

تساؤل فلسفي تطرحه خلود الخميس: هل أصبحت القلوب مرتعاً لعابري العواطف والطارئين على المهمات النبيلة؟!

رحلة.. داخل قلب!

خلود عبدالله الخميس
ذلك بأن القلوب رغم أنها حقيقة يمكن لمسها، إلا أن ما يدور داخلها مجهول وغيب وتناقض يخشونه كثيرون، فيصدون عن مواجهته.
هل فكرت أن تشد الرحال إلى قلبك؟ فقط قلبك لا قلوب الآخرين، فكم منا يظن في نفسه اجتراء المعجزات والقدرة الخارقة على معرفة مكنونات قلوب الغير، بينما لم يتجرأ على الغوص في قلبه ليصفه أو حتى ليعرفه ويكون منصفاً على الأقل مع ذاته، قبل أن يدس أنفه بل وجهه كاملاً في صدرك ليطلع على غيابته وهو مغيب عن نفسه!
إن القلوب تقوم بمهمة جبارة، لتستمر أنت قيد الحياة، تدق يومياً بلا كلل وملل، فإنها مأمورة. إذاً كيف مع تراكم الثقافات تحولت إلى مرعى لمن أراد التزود بعشب نقي مجاناً، وتركت للاستخدام كمرتع لعابري العواطف والطارئين على المهمات النبيلة، وباتت ملجأ هواة جمع تذكارات الندوب، وتحريف المشاعر؟!
أصدقكم القول، لا أعلم جزماً كيف تحول القلب من حقيقته إلى ما دلس البشر عليه من كل جانب فحصروه بقطعة في الجسد، تنبض فرحاً أو إحباطاً في حالات الحب والخذلان!
ولكن أعلم أن القلوب ليست محل الحب، كما نجتر في أدبيات الكلام والروايات والشعر والنثر، وحتى بتعبيراتها اليومية عندما تقول لأحدهم «أحبك من أعماق قلبي» أو «جرحك سكن عمق قلبي»! تذكر أن قلبك ليس لديه أعماق، بل له وصف تشريحي تجده في أقرب كتيب لجسم الإنسان، أو أبحث عنه في صور الإنترنت!
القلب علمياً ليس هو مصدر التحكم بالحب كقرار، وهو ليس من يرسل إشارات الحزن والغضب والفرح والخوف لتترجم إلى مشاعر، فالقرار مكانه المخ وهو عضو يمكن لمسه، والمشاعر انفعال مكانها المخ أيضاً تأتي من رسالاته، أما العقل فغالباً ما يكون في إجازة في حضرة الحب! وهو ذاك اللامرئي أو المحسوس، لذلك قد تكون في مقاييس البشر من حولك متزناً طبيعياً، بينما عندما تعيش حالة حب مثلاً، تصير مجنوناً بلا عقل، ولا يعلم ذلك من حولك، ما لم تتصرف على أنك كذلك!
لا أتناول مفهوم علمي هنا، فالعلم منشور في كل مكان لمن شاء التعلم، بينما أتساءل فلسفياً وتطوراً تاريخياً: من جعل القلب وعاء الحب؟!
لم أجد إجابة شافية على سؤالي هذا، رغم أنه يراودني منذ زمن، وناقشت فيه كثر من المحيطين بعلوم النفس والطب والتطور اللغوي والاجتماعي، لا أحد يدري من عاث في مهام القلب منبع استمرار الحياة، ليصير إما مستنقع نفايات مهجورة، أو مرقص يستر حفلات الجنون الماجنة؟!
لا أحد لديه إجابة وافية، كيف يبات القلب وهو محمل بنفايات عابر ما، أو يدخل فيه آخر بلا طرق، أو تستبيحه غانية، أو تقطنه ولية، وهو عاجز عن الاختيار؟!
ليس هناك ثقافة اعترفت بأنها التي بدأت ظلم القلب، ولا أخرى تقول: إنها شاركت بترويج ذاك الظلم، الجميع يقف في مسألته بريئاً ولا أدلة إدانة أو براءة!
الذي يعرفه قلة ويجهله كثر أن القلب مثل بقية أعضاء الجسد يتأثر بأي انفعال عاطفي، أياً كان نوعه، حب حزن غضب وغيرهم، فلذلك عندما يخفق بتسارع وشدة عند مروره بمشاهد حب، سواء حقيقة أم تعرض أمامك عبر فيلم ما، نظن أن ضرباته تتعانق، بينما هو الخفقان ذاته عندما تسير بأمان في مكان، وفجأة يظهر لك كلب، فيستجيب جسدك لانفعالك!
تخيل أن يكون أثر شغف الحب أو انهزاميته على القلب، كمطاردة كلب!
مع أن الجسد كله عند تناقض الفعل، سواء الفرح أو النكد، يتداعى لمشاعر صاحبه بالسهر والحمى! فلماذا جعلوا من القلب زاوية الهدف؟!
ما أقول ليس تسفيهاً للعواطف، ولكنه توضيح استنتجته من متابعاتي وقراءاتي، أن الأدب هو من ارتكب جريمة تحجيم القلب وجعله العضو المنهك الموصوم جبراً لحمل نتائج المشاعر، رغم أنه العضو الأوحد لإتمام مهمة حياة الإنسان وبتلفه يموت، وبقية الأعضاء تقدر أن تقوم بدور الضحية لتتشفى المشاعر منه عند اشتداد انفعالاتها، وبتلفها يمكن أن يعيش، رغم ذلك، لم يتركوه وشأنه ليخدم وجودهم!
هذا فعل البشر في قلوبهم، فكيف نأمنهم على قلوبنا؟!
مع الأيام صار توصيف الأدب للقلب أمراً واقعاً، كل تائه لام القلب، وكل هائم شكر القلب، لله درك أيها القلب، كم تستحق من التحايا من البشرية، وأن نزرع لك حديقة عرفاناً بصبرك، فأنت الوليد والشهيد، ونحن الجبابرة منزوعو الرحمة، نكلفك ما لا تطيق، ونعلم أن ثمن سقوطك أرواحنا ولا نبالي!