محليات

الذكرى الخامسة لرحيل “الأمير الوالد”.. غدًا

تستشعر الكويت هذه الايام ببالغ الأسى الذكرى الخامسة لرحيل فقيد الأمة سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله الصباح حيث اتشح يوم الثالث عشر من مايو 2008 بالحزن في مسيرة تاريخ الكويت.  
 ويجمع الشعب الكويتي على أن سمو الأمير الراحل هو أحد زعماء الأمة الخالدين حيث أن الزعامة هي دور ورسالة تجعل صاحبها يتربع في قلوب الناس ويخلد في ضمائرهم. 
 ويعد سمو الشيخ سعد العبدالله الحاكم الي 14 من سلسلة حكام آل الصباح التي أولاها الكويتيون بمحض إرادتهم أمانة الحكم عندما اختاروا صباح بن جابر الأول لهذه المهمة قبل أكثر من قرنين ونصف القرن.
 كما يعد سموه رحمه الله الأمير الرابع في عمر الدولة الدستورية التي بدأت بتوقيع المغفور له والده الشيخ عبدالله السالم الصباح على وثيقة الدستور في 11 نوفمبر 1962 معلنا بذلك دخول الكويت عهدا جديدا ومرحلة مشرقة في الحياة الديمقراطية.
 ويعتبر سمو الأمير الوالد من صانعي السياسة الكويتية في مجالي الأمن والدفاع فهو أول وزير للداخلية وثاني وزير للدفاع في ظل الدستور وهو من الرجال الذين شاركوا وبفاعلية في وضع أسس بناء الكويت فقد كان شاهدا على اللحظات الأولى لاستقلال الكويت وقيام دولتها الحديثة وكان مشاركا في لجنة صياغة الدستور وعضوا فاعلا في إنجازه بالمناقشات والنقاط التي كان يثيرها مع أعضاء اللجنة.
 وكان سمو أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح قد زكى سمو الشيخ سعد وليا للعهد في عام 1978 وفي فبراير من نفس العام تم تعيينه رئيسا لمجلس الوزراء حيث كلف بتشكيل الوزارة العاشرة في تاريخ الكويت.
 وعقب تعيين سموه رحمه الله وليا للعهد أظهر براعة في القيادة وحنكة في تسيير الأمور بما يضمن المصالح العليا للوطن والنأي به عن كل ما يشكل خطرا على أمنه وسلامة أراضيه.
 وقدر لسموه رحمه الله ان يتولى رئاسة الحكومة في ظروف محلية وإقليمية ودولية بالغة الصعوبة والتعقيد فبذل جهودا كبيرة ومقدرة وحنكة لمواجهة هذه الظروف والتحديات وعمل على تعزيز قدرات الكويت الدفاعية والأمنية ورفع كفاءتها البشرية والمادية.
 وترأس سمو الشيخ سعد عشر حكومات متعاقبة في الاعوام 1981 و1985 و1986 و1990 و1991 و1992 و1996 و1998 و1999 و2001.
 وتم فصل ولاية العهد عن رئاسة مجلس الوزراء في شهر يوليو 2003 حيث عين سمو أمير البلاد الحالي الشيخ صباح الاحمد رئيسا لمجلس الوزراء فيما احتفظ سمو الشيخ سعد بولاية العهد.
 ونودي بسمو بالشيخ سعد أميرا لدولة الكويت في 15 يناير 2006 بعد وفاة سمو الشيخ جابر الاحمد رحمه الله واستمر لغاية 29 يناير 2006 عندما انتقل الحكم الى سمو امير البلاد الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح.
 وساهم سمو الشيخ سعد العبدالله رحمه الله طوال فترة توليه مسؤولياته في اصدار العديد من التشريعات المتعلقة بالإسكان والتجنيس والوظائف العامة والضمان الاجتماعي.
 واجتهد سموه في تحديث الكثير من المرافق العامة وزيادة الخدمات المقدمة للمواطنين في كافة المجالات كما عنى بشؤون الثقافة والإعلام ودعم المؤسسات التى تقوم بالبحث العلمي وعمل على دعم صندوق احتياطي الاجيال القادمة.
 وفي الجانب الاقتصادي كان سمو الشيخ سعد حريصا دائما على التأكيد ان المواطن هو الاداة الحقيقية للتنمية وأن ركيزة أي بناء هي الاقتصاد حيث كان سموه يدعو دائما الى تضافر جهود القطاعين العام والخاص وسائر الفعاليات الاقتصادية لتحقيق هذه الغاية.
 وكان سموه حريصا على الجانب التعليمي حيث كان يصر على أن الارتقاء بمستوى التعليم هو أساس تقدم الوطن وبناء الاجيال وغرس قيم الانتماء والولاء وحب الوطن.
 وقدم سمو الشيخ سعد الذي يعد رجل دولة من الطراز الأول الكثير لوطنه وشعبه ولأمته وكان يؤمن ايمانا قويا ان قوة ابناء الكويت تكمن في وحدة الكلمة ووحدة الصف وهو يعد رمزا للشجاعة والوفاء والإخلاص والخلق الرفيع والعطاء والتضحية أحب شعبه فبادله شعبه الحب والعرفان.
 وكان سموه رحمه الله حريصا دائما على الالتقاء بالمواطنين الذين يجدون أبوابه مشرعة لهم للاستماع الى مشاكلهم ثم اتخاذ القرار المناسب بشأنها لتأخذ طريقها نحو التنفيذ.
والمعروف عن سمو الشيخ سعد رحمه الله حرصه دائما على الوحدة الوطنية ففي لقاء مع رؤساء تحرير الصحف والمجلات الكويتية في مايو عام 1978 قال سموه “بلادنا في تاريخها السياسي مرت بمحن كثيرة ولكنها اجتازت تلك المحن بتماسك الجبهة الداخلية ولذلك فاننا نولي كل الأهمية لتكريس الوحدة الوطنية وجمع شمل الناس في وطننا”.
وعندما اختير سمو الشيخ سعد رحمه الله وليا للعهد ورئيسا لمجلس الوزراء في عام 1978 فان عمر دستور الكويت كان قد بلغ 16 عاما تأصلت خلالها الممارسة الديمقراطية في البلاد واصبحت ركيزة اساسية في فكر ونهج سموه.
وجدد سمو الشيخ سعد تأكيده على هذا النهج فى 20 من اكتوبر عام 1996 بالقول “نعلم جميعا ان الديمقراطية والشورى ليست محدثة على المجتمع الكويتي وقد تأصلت عبر تاريخ طويل رسمه الاجداد والآباء وان ايماننا بالنهج الديمقراطي يعكس قوتنا الذاتية على تجاوز العقبات وبلوغ الغايات فقد اضحى هذا النهج احد المعالم المتميزة للمجتمع الكويتي وستبقى المسيرة الديمقراطية انجازا طيبا وسمة رائدة نحرص جميعا على ترسيخها وترشيد ممارستها مؤكدين ان التعاون الايجابي البناء بين المؤسسات الدستورية يمثل القاعدة الاساسية للممارسة الديمقراطية وضمان فعاليتها”.
واعتبر سمو الشيخ سعد رحمه الله اختيار الديمقراطية ضمن الدستور تطورا طبيعيا لمبدأ الشورى الذى كان دائما سمة اساسية للحكم في الكويت والتزاما لما دعا اليه الدين الاسلامي من مبادئ سامية وما تعارف عليه المجتمع الكويتي من قيم واخلاق حميدة وارساء لقواعد التعاون البناء بين اهل الكويت بما يصون وحدتهم ويعزز منعتهم ويحقق مصلحتهم.
وعلى صعيد العلاقات الخارجية لدولة الكويت حرص سمو الشيخ سعد على لم الشمل العربي وتسوية النزاعات العربية بالطرق السلمية والتركيز على الاهداف القومية للأمة العربية وقضاياها المصيرية ايمانا منه بان قوة العرب الحقيقة في تضامنهم.
وحرص سمو الشيخ سعد العبدالله عندما كان وليا للعهد على تبادل الزيارات الرسمية مع القادة وكبار المسؤولين في مختلف دول العالم بهدف تدعيم جسور التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
وكان من الطبيعي ان يتجه سموه رحمه الله في بداية هذه الزيارات الى منطقة الخليج العربي لما تشكله هذه المنطقة من أهمية استراتيجية حيث سعى خلالها الى بحث تصور محدد لمستقبل المنطقة على اساس ترسيخ العمل الخليجي المشترك ومواجهة الاخطار الدولية والإقليمية التى تحيق بالمنطقة.
واستطاع سموه رحمه الله طوال فترة توليه مسؤولياته الرسمية تدعيم اهداف السياسة الخارجية لدولة الكويت من خلال التواصل مع مختلف دول العالم والتعاون والتفاهم المشترك ودعم الجهود والتطلعات الرامية الى استقرار السلم والأمن الدوليين.
وبذل سمو الشيخ سعد العبدالله خلال فترة العدوان والاحتلال العراقي لدولة الكويت في عامي 1990 و1991 جهودا جبارة فقد كان مقاتلا صلبا ومدافعا عنيدا عن الحق الكويتي عندما وقعت الكارثة.
وكان لجولات سموه رحمه الله في الدول الشقيقة والصديقة لشرح قضية الشعب الكويتي العادلة أثرها الواضح لدى مسؤولي هذه الدول في الوقوف الى جانب الحق الكويتي.
كما كان موقف سموه منذ اللحظات الاولى للعدوان بإصراره على مغادرة سمو أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الاحمد الى السعودية لان وصول القوات العراقية الى أمير البلاد ورمزها كان يعني انهيار الروح المعنوية لدى افراد الشعب انما وجود سموه رحمه الله خارج البلاد يعني استمرار المقاومة وحرية الحركة لحشد الرأي العام الدولي والإسلامي والعربي حول قضية الكويت وسرعة تحريرها.
ومنذ اللحظات الاولى للتحرير ترأس سمو الشيخ سعد رحمه الله اجتماعات مجلس الوزراء في الكويت المحررة حيث كان وجوده على رأس الحكومة والجهاز الاداري للدولة اكبر الاثر في فرض الامن وإعادة السيطرة للدولة في كل ارجاء البلاد.
وبرز سمو الشيخ سعد خلال الفترة التى تلت التحرير مباشرة التي تعد من أصعب فترات تاريخ دولة الكويت الحديث بأدائه المتفاني ودبلوماسيته العالية وحزمه واصراره الصلب على التعامل مع كم المشاكل الهائل الذى واجه الدولة منذ اللحظة الاولى للتحرير.
وتمثل ذلك فى اعادة مرافق الدولة الى العمل بكل كفاءة وسرعة وفرض الامن والنظام واظهار هيبة الدولة وسلطتها والتعامل مع فلول الاحتلال ومن تعاون معهم بكل حزم وعدل اضافة الى وضع خطة اعادة الوافدين الشرفاء الى اعمالهم للمشاركة في معركة اعادة البناء وحل العديد من المشكلات ومنها التعامل وبسرعة مع اكبر جريمة بيئية في التاريخ المعاصر وهي اطفاء آبار النفط التى حرقها المعتدي الغاشم عند طرده من الكويت.
لقد كان سمو الشيخ سعد العبدالله رحمه الله ركنا اساسيا لنهضة الكويت ورقيها وراعيا لكل قضاياها الاقتصادية والتنموية والخارجية وحريصا على استقرارها وامنها وداعيا لتمسك ابنائها بالوحدة الوطنية وإعلاء مصلحة الكويت فوق كل اعتبار.