كتاب سبر

ميزان العدالة الاجتماعية

ميزان المساواة  في الديموقراطيه هي تحقيق “العدالة الاجتماعية شرط الحرية وشرط انسجام الإرادة الخاصة مع الإرادة العامة لأن الديمقراطية السياسية تبقى ناقصة بدون ديمقراطية اجتماعية. 
الأولى تهتم بمصدر السيادة والسلطة وحقوق المواطن السياسية ومساهمته في الانتخابات وتشكيل الأحزاب وإبداء الرأي ونشره… أما الثانية، والتي لها أولوية على الديمقراطية السياسية، فتهتم بتحسين أوضاع المواطن المادية، عن طريق مبدأ العدالة الاجتماعية من حيث توزيع خيرات البلد على كل المواطنين لأن للمواطن حقاً شرعياً بنصيب عادل منها، فالمساواة بين الأفراد في المجتمعات المنظمة تستند بشكل أساسي على هذه العدالة الاجتماعية.. فأفراد الشعب المنبوذون والفقراء وقليلو الثقافة، لا يمكن أن يساهموا بشكل جدي في الحياة السياسية التي تتطلب معرفة بأمور الدولة وتسييرها وأمور السلطة ومداخلاتها، أولويات هؤلاء الناس هي لقمة العيش وليست السياسة.
الحقوق الاجتماعية ضرورية لاعتبار الإنسان غاية في ذاته يجب احترامه ومساعدته على العيش الكريم. لأن هدف التنمية والتقدم في الدولة هو حرية المواطن ورفاهيته، الديمقراطية الاجتماعية تسهل مشاركة المواطنين في العمل السياسي بشكل فعّال لأنها تسد حاجاتهم المادية وتعيد لهم اعتبارهم وكرامتهم وبهذا يصبح للديمقراطية بشطريها معنى واقعي ومتكامل. 
الديمقراطية الواقعية أقل تواضعا من تعريفها التقليدي، تعرّف أولا بالحرية، حرية الشعب بكل فئاته، ليست فقط حرية الاغنياء وأصحاب الامتيازات ولكن حرية كل مكونات الشعب، هذه الحرية تفترض مستوى معين من العيش الكريم والدخل المعقول ومستوى من التربية والتعليم ومساواة اجتماعية.
في حال تأخر الديمقراطية الاجتماعية، من الضروري رغم ذلك تحريك الديمقراطية السياسية ، لأن أي توعية سياسية، ولو كانت في حدود ضيقة، تساعد الناس على معرفة مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية، فإشراك الناس في العمل السياسي يحرك كثيرا من طاقات كامنة فيهم للمطالبة بمجتمع أكثر عدالة.
السلطة الاقتصادية في الدول الديمقراطية الرأسمالية وخاصة في الدول النامية، تلعب دورا سلبيا  جدا في تطوير الديمقراطية الاجتماعية، لأن هدف الرأسمالية يتناقض أصلا مع هدف العدالة الاجتماعية.. هدف الرأسمالية هو الربح الجشع بكافة الوسائل والحصول على امتيازات طبقية تعلو بكثير على حقوق بقية المواطنين، هذه الامتيازات تعطي الرأسماليين سلطة غير شرعية للتدخل في أمور الدولة وتوجيه سياساتها عن طريق الضغوط الاقتصادية والمالية والسياسية والثقافية والإعلامية  لمصالحها الخاصة دون أي اعتبار لمصلحة البلاد  والمواطنين في الحاضر والمستقبل من حيث التنمية الاقتصادية السليمة لاستغلال خيرات البلاد وتوظيفها بشكل عادل وعقلاني. 
الانهيار الهائل في الاقتصاد العالمي في نهاية 2008 أكبر برهان على متاهات  وبلطجة الرأسمالية، الانهيار الأخير، الذي يذكرنا  بانهيار 1929سيعود دوريا إن لم تتغير فلسفة الليبرالية الجديدة التي دشّنها الرئيس ريغان ورئيسة الوزراء البريطانية تاتشر في الثمانينات من القرن العشرين، أسباب الانهيار الاقتصادي العالمي يعود الى خلق مجتمع اقتصادي ومالي مؤسس على المضاربة بلا حدود  بعيدا كل البعد عن الاقتصاد الحقيقي والواقعي، هذه المزايدات في سعر السلع لا يمكن أن تتصاعد هرميا بشكل مستمر، سوف تحصل ازمة اقتصادية يذهب ضحيتها بشكل أساسي الناس العاديون الذين دخلوا في لعبة المضاربات وزيادة مداخيل وهمية  على الورق،  يمكن أن تنهار في أي لحظة، لقد شجعتهم ودفعتهم إليها المؤسسات المالية التي قدمت القروض السهلة لتشجيع الناس على الاستهلاك  وشراء البيوت مثلا ثم بيعها ثانية وثالثة… إلى أن ينفجر  “البالون” الاصطناعي، لأن البعد صار كبيرا جدا بين السعر الواقعي للأشياء والسعر الذي وصلت إليه هذه المزايدات، أما الادّخار، الذي هو الاحتياطي الأساسي لحماية الناس من الأزمات الحياتية، لم تشجعه المؤسسات المالية ولا حتى الدولة، الفوائد المعروضة على المدخرين ضئيلة  غير مشجعة على الادخار، بواسطة الدعاية الدائمة تم غسل دماغ الناس على الاستهلاك بلا وعي.
للخروج من هذه الازمة الاقتصادية، أخذت الدول بتقديم آلاف المليارات من الدولارات لدعم البنوك والشركات، أما ملايين الناس الذي أضاعوا ” اقتصادياتهم” في هذه “الطوشة” العالمية فلقد تركوا ليدبروا “رأسهم” !.
لا يكفي التبجح بالحريات العامة والمساواة أمام القانون إن لم ترفق بتحسين الاوضاع الاقتصادية للمواطنين ليصبح لهذه المساواة والحرية معنى واقعي.