أقلامهم

.. وولاية العهد لم تعد شأناً صباحيا
محمد عبدالقادر الجاسم في مقال “ساخن”: الغديات والعشيات لن تنفع

” معالم الطريق أصبحت واضحة نحو الإمارة الدستورية، والمسألة مسألة وقت فقط، ومشروع الصوت الواحد ألحق بأصحابه خسائر تفوق بكثير المكاسب التي حققوها من ورائه، وهي خسائر لحقت بمكانة الشيوخ اجتماعياً وسياسياً، كما أن ولاية العهد في البلاد لم تعد شأناً “صُباحياً” بل تحولت إلى شأن عام…

تحت هذه العناوين وغيرها يكتب المحامي محمد عبدالقادر الجاسم، محللاً ومفسراً ومستعرضاً للوضع السياسي الراهن، ومقدماً جملة دلائل على مرحلة مغايرة ستلج إليها الكويت في القريب..

المقال كتبه الجاسم في موقعه (ميزان) تحت عنوان :“الغديات والعشيات” لن تنفع!

وسبر اختارته مقالاً ساخناً.. والرأي لكم:

“الغديات والعشيات” لن تنفع!

محمد عبدالقادر الجاسم
لقد تغيرت طبيعة العلاقة بين أسرة آل صباح والشعب، ولن تعود إلى ما كانت عليه حتى لو أقيمت “الولائم السياسية” كل يوم!
على الرغم من نجاح أنصار مشروع “الصوت الواحد” في التحكم في الأمر الواقع بعد فرض تطبيق المشروع، وعجز “المعارضة” عن تغيير هذا الواقع، إلا أن المريح في الأمر أن المشروع السياسي المصاحب “للصوت الواحد” مازال بلا جذور، أي مازال مشروعا فطريا يمكن تغييره في لحظة ومن دون مجهود كبير. وهو مشروع شخصي لا صلة له بفكرة الدولة وأصول إدارة شؤونها، وهو أيضا ناتج عن دوافع شخصية بحتة، وبالتالي فإن استمراره مرتبط باستمرار بقاء الأشخاص الذين يؤمنون به على قيد الحياة، وتمتعهم بالقوة الذاتية الكافية لدعمه، وهذا أمر لا أحد يراهن عليه لأنه يتنافى مع طبيعة الأمور.
إن مشروع “الصوت الواحد” مشروع انفعالي في حقيقة الأمر، لذلك لم يتم فرضه بالإقناع، بل تم ذلك بمساعدة “مطاعات ودروع” القوات الخاصة، وعبر استخدام الملاحقات السياسية، وتكثيف استخدام المال السياسي بغزارة، وعن طريق تفتيت المجتمع وبث الفتنة والشقاق بين مكوناته، واستغلال الأبعاد الاجتماعية والمذهبية وتوظيفها سياسيا. إن التكلفة السياسية لفرض مشروع “الصوت الواحد” عالية جدا، كان أول بوادرها ذلك الهبوط الحاد في شعبية الشيوخ، فضلا عن عدم تناسب تلك التكلفة إطلاقا مع المردود السياسي، هذا إن كان هناك مردود إيجابي! 
أما على المدى البعيد، أو ربما المتوسط، فإن النتيجة سلبية بالنسبة للشيوخ إلى أقصى درجة. فخلال محاولات “المعارضة” التصدي “للصوت الواحد”، ظهرت مطالبات مهمة لا يمكن تجاهلها، مثل: الحكومة البرلمانية (المنتخبة)، الإمارة الدستورية، رئيس وزراء شعبي.. وهذه المطالبات تهدف، في نهاية المطاف، إلى تقليص سلطات الشيوخ الفعلية. والمهم في الأمر أن هذه المطالبات انتشرت في صفوف الشباب أولا، والشباب هم الذين فرضوا تلك المطالب على الخطاب السياسي بشكل عام، وبالتالي فإن هناك فرصة كبيرة لإمكانية تحولها إلى مطالب جدية بمرور الوقت.
ليس هذا فحسب، بل أنه حين سرت الشائعات بشأن تنحي سمو ولي العهد، بدا واضحا أن الشعب يريد أن تكون له كلمة في اختيار “البديل”، أي أن ولاية العهد لم تعد شأنا “صُباحيا” خاصا، بل هي شأن عام. ومن المتوقع أن يتطور التذمر الشعبي، الذي صاحب الحديث عن تنحي الشيخ نواف الأحمد عن ولاية العهد واحتمال تعيين الشيخ ناصر المحمد، إلى عمل جدي لاحقا. بل أنني لا أستبعد إطلاقا أن يسقط ما تبقى من الحواجز الاجتماعية في ميدان العلاقة بين أسرة آل صباح والشعب حين تنتقل الإمارة إلى الشيخ نواف الأحمد، ففي تقديري الشخصي لن يتمكن الشيخ نواف من اختيار ولي عهده من دون مساندة شعبية كاملة وصريحة، وهو الأمر الذي سوف يقلل من فرص كل من الشيخ مشعل الأحمد والشيخ ناصر المحمد في الحصول على ولاية عهد الشيخ نواف. لقد عرف الشباب الكويتي طريق الإنجاز السياسي حين أسقطوا الشيخ ناصر المحمد من منصب رئاسة الوزراء، ولا أرى ما يحول بينهم وبين تحقيق طموحهم في محاولة الاشتراك في اختيار ولي عهد الشيخ نواف من خلال الشارع!
ما أريد قوله هو إن معالم طريق الكويت نحو الإمارة الدستورية بدأت تتضح، والمسألة مسألة وقت لن يطول ومناسبة قادمة لامحالة. لقد ساهم مشروع “الصوت الواحد”، من حيث لا يدري أصحابه، في تغيير طبيعة العلاقة بين الشعب وأسرة آل صباح، ومهد الطريق نحو تقليص آخر مهم في صلاحيات الشيوخ الفعلية، وحصرها في الإطار الدستوري فقط.
إن “المكاسب” الآنية لأنصار مشروع “الصوت الواحد” لا تعادل ولا توازي إطلاقا الخسائر المحققة التي لحقت بمكانة الشيوخ اجتماعيا وسياسيا، ولا تبرر الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمجتمع، لذلك فإنني أتمنى أن يدرك الشيوخ هذا الواقع، وأن يسعوا إلى البحث عن مخارج سياسية آمنة تحول دون مضاعفة الخسارة، أما “الغديات والعشيات” فلن تنجح في وقف التغيير.