أقلامهم

منى الوهيب: لم تكن مشكلة المسلمين فقط مع القيم الوافدة، بل أيضا مع القيم التي تشكلت خطأ.

رأي قلمي / استنباط الوقائع…!
منى فهد العبدالرزاق الوهيب
إن المؤرخين والمتخصصين بالتاريخ اعتنوا بكتابة تاريخ الدول والحروب، وتاريخ الأفكار والعقائد، إلى حدٍ لا بأس به، لكنهم للأسف لم يولوا تاريخ الأخلاق والطبائع ما يستحقه من العناية، ولكن من أراد أن يبحث لا يعدم وسيلة للتعرف على معالم الأخلاق في كل عصر من العصور، إلا أن الصورة تبقى لدى من يبحث غير مكتملة لأن تاريخ الأخلاق والطبائع تأريخ مستنبط وليس تأريخا مقصودا لذاته، ولا يخفى على المؤرخين والأدباء أن التأريخ المستنبط يقدم نتائج قد تكون خطيرة لأن الوقائع ليست هي العامل الأساس في الكتابة ولكنه مستوى إدراك الكاتب، وإحاطته العلمية بالوقائع والأحداث هي الأساس في الكتابة.
إن أخلاق الأمم وآدابها ورؤاها وعباداتها وعاداتها وأعرافها، هي قيم الأمة وتنشأ من داخل تلك الأمم، ولن يكون هناك حاجز أو مانع يمنع الأمم من أن تتأثر في بعضها بحكم المخالطة أو الجوار، بل تقاس مدى قدرة الأمة على التأثير في غيرها بمقياس متفق عليه وهو قوة حضارتها، أما في سنواتنا الأخيرة لم يُعد التغيير القيمي مسألة تلقائية تتم بطريق تفاعل الحضارات وتأثير بعضها في بعض كما في الماضي، بل أصبح تغيير القيم صناعة سياسية واستراتيجية تخطط لها دول العالم بُغية الوصول عبر الأخلاق إلى هيمنة سياسية واقتصادية قِوامها جذب الأمم، بدلا من الفكرة القديمة التي كانت تسود العالم وهي الهيمنة على الأمم عن طريق قهرها سياسيا وعسكريا.
لذا أصبح من الضروري تحصين المجتمع بالممانعة المجتمعية وتقويتها لضمان حفظ الهيئة الاجتماعية للأمة قبل أن تضمحل بعامل استجلاب قيم لم تصنعها الأمة ولم تنتجها بطريق التفاعل بين المجتمع وبين الأصول المكونة لقيمه وهي… دينه وبيئته وتاريخه ومقدرات أرضه ولغته، لأنه بضعف أو انعدام الممانعة المجتمعية ستتغير صورة المجتمع المسلم ثقافيا وأخلاقيا.
لم تكن مشكلة المسلمين فقط مع القيم الوافدة، بل أيضا مع القيم التي تشكلت خطأ، دون أي تفاعل كامل وصحيح مع أصول القيم في المجتمع المسلم، كما أن تنحية فهم الصحابة الكرام للكتاب والسُنة عن الحكم على القيم والرؤى وغيرها لدى عدد من البيئات الاجتماعية الإسلامية أدى إلى نشوء الابتداع في الدين، وتوالت البدع ابتداء من تغير الرؤى والتصورات للدين والكون والحياة على هيئة آراء في القضاء والقدر والحكم والعدل وصفات الباري عزوجل، ودون انتهاء بل تجاوزت العقيدة إلى العبادات فلم تنته بل تمادت إلى أن وصل الناس إلى الإشراك بالله تعالى.
لقد آن الأوان لتقوية الممانعة المجتمعية ليكف المجتمع المسلم عن انشغاله بالقيم الاجتماعية التي نسجها لنفسه دون إجراء التفاعل الصحيح مع أصوله، وحتى لا يعيش تناقضا كبيرا بين قيمه المصطنعة وبين جذوره التي ترفض هذه القيم، فبالممانعة المجتمعية يستطيع المجتمع المسلم أن يستورد ما شاء من القيم والمفاهيم، ولكن يحرص ألا يُكونها بمعزل عن الأصول المفترضة للقيم في الأمة المسلمة وبخاصة الدين بمصدريه العظيمين الكتاب والسُنة، الأمة التي تحمي قِيمها من الانتهاك الحضاري لا بد أن تضمن أن ممانعتها لن تجعلها في مؤخرة الركب، فإن للأمم عقلاً جمعياً هو المسؤول عن إيقاظ الطموح وإذكاء روح المنافسة بين أمم الأرض.