أقلامهم

عبدالحميد الأنصاري: حزب الله بمشاركته في القتال مع هذا النظام، لا يسيء إلى نفسه إنما يشوه مفهوم (المقاومة).

حزب الله يقاتل السوريين دفاعاً عن الأسد! 
كتب المقال: د. عبدالحميد الأنصاري
ما كان أي محب لحزب الله يود أن يرى الحزب يوجه سلاحه مستهدفاً إخوانه السوريين، وما كان أي عربي أو مسلم يتمنى أن يتورط حزب الله في معارك ضد الثورة السورية دفاعاً عن نظام قتل ما يزيد على مئة ألف من شعبه.
 لقد سقط العشرات من مقاتلي حزب الله في معارك القصير وأغلبيتهم من قوات النخبة، ونقلت الوكالات صور تشييع جنائزهم ومظاهر الحزن والأسى على وجوه الأمهات والزوجات والبنات والأخوات، إنه لأمر محزن سقوط القتلى من الجانبين في الوقت الذي يواصل فيه النظام قصف المدن على رؤوس النساء والأطفال والأبرياء بالطائرات والمدفعية وقاذفات الصورايخ ويسانده حزب الله.
التساؤلات المطروحة هي: لماذا يساند حزب الله نظاماً يقتل شعبه؟! ولماذا يضحي برجاله في سبيله؟! ولماذا يعادي ثورة الشعب السوري في سبيل حريته وكرامته؟! ولماذا يسيء حزب الله إلى تاريخه ونضاله؟!
إن حزب الله بوقوفه ومساندته ومشاركته الفعلية في القتال مع هذا النظام، لا يسيء إلى نفسه وسمعته وتاريخه كحزب مقاوم لإسرائيل إنما أيضاً يشوه مفهوم (المقاومة) ويحز مصداقيتها في نفوس الملايين من العرب والمسلمين، كما يؤكد بهذا العمل غير الأخلاقي اتهامات خصومه من أن الحزب مجرد أداة باطشة تستخدمها إيران لخدمة نفوذها ومطامعها في المنطقة العربية. لقد بنى الحزب سمعته وشعبيته على قضية عادلة هي قضية الدفاع عن فلسطين ومقاومة عدوان إسرائيل، وعلى هذا الأساس ومن هذا المنطلق قبلت الدولة اللبنانية احتفاظ الحزب بسلاحه خارج نطاق الجيش اللبناني، مع أن ذلك وضع شاذ بين الدول، فكيف يبرر الحزب اليوم توجيه سلاحه ضد السوريين؟!
لطالما عارض قطاع كبير من اللبنانيين احتفاظ الحزب بسلاحه خارج نطاق الشرعية خوفاً من مغبة استخدامه أداة بطش في الداخل اللبناني، واليوم بتدخل حزب الله في معارك النظام السوري ضد الثوار ودفعه بآلاف المقاتلين من رجاله للفتك بالمدنيين السوريين إنما يقوي حجة المعارضين لسلاح حزب الله ويسقط مبرراته، كما يؤكد حجج القائلين بأن رفع شعار (المقاومة) ما هو إلا متاجرة في قضية فلسطين وغطاء سياسي كاذب لأهداف ومآرب أخرى.
لقد عشنا دهراً نقدس سلاح المقاومة ونمجد حامليه، ولا نرضى المساس بهم ونبذل الغالي والنفيس في سبيل تمكينهم، لقد حكم هذا السلاح- سلاح المقاومة- وعي العرب السياسي الحديث عقولهم ونفوسهم، وأهدرت الثروات الطائلة في سبيله وسقطت أنظمة وحكومات عربية، وقامت على إثرهما حكومات وأنظمة أخرى بحجة المقاومة والممانعة والتصدي لإسرائيل، ولكن ها هو سلاح حزب الله المقاوم يضل طريقه إلى الداخل السوري مرة أخرى، كما ضل بالأمس حين وجه إلى صدور اللبنانيين وأرهبهم.
 ويبدو أن حزب الله لن يتعلم دروس الماضي، مؤكداً بذلك مقولة ناقدي الجماعات الدينية من أن الإسلاميين شيعة وسنّة، لن يتعلموا شيئاً، ولن يستفيدوا من تجارب الماضي بسبب انغلاقهم الأيديولوجي وتشبثهم بالسلطة، وبخاصة إذا كان السلاح في أيديهم أو كانوا في السلطة مهيمنين، كما هي الحال في مصر وتونس وغيرهما، لأنهم جميعاً لا يعترفون أصلاً بالآخر السياسي والديني والمذهبي ولا يقبلونه شريكاً في الوطن والمواطنة، وهذه عقدة الإسلاميين المزمنة.
 لقد انقلب سلاح المقاومة والجهد على مجتمعاتها في كافة الدول التي تسامحت وقبلت بوجود هذا السلاح خارج الإطار الشرعي للدولة، وصار عبئاً عليها ومصدراً للاضطرابات والنزاعات وإرهاب الناس كما تحولت الجماعات الدينية الزاعمة أنها تقاوم إسرائيل بمختلف ألوانها وأطيافها ومشاربها، وعلى امتداد العالمين العربي والإسلامي، إلى جماعات انقلابية على دولها تنفذ مخططات ومشاريع (تفكيكية) وانفصالية لدولها الوطنية، كل جماعة دينية مسلحة تسعى إلى الاستئثار بالسلطة وإقامة إمارة دينية وسياسية خارج نطاق الدولة الوطنية، وعندنا نموذجان بارزان: حزب الله في لبنان وحماس في غزة. الحركات الإسلامية كلها شيعية وسنّية ما هي إلا مجرد مشروعات تفكيكية وانقسامية للدول القائمة بدءاً بحزب الله في لبنان، مروراً بالحوثيين في اليمن والمحاكم في الصومال والجماعات المتشددة في العراق والجزائر وباكستان ومالي وطالبان في أفغانستان وانتهاءً بحماس في فلسطين، وهذه الجماعات جميعاً، لا قيمة للإنسان لديها مطلقاً!  فالزعيم الديني الأيديولوجي الحاكم للجماعة الدينية يهون عليه التضحية برجاله حتى في معارك غير متكافئة أو من غير مبرر مقبول! بل يهون عليه التضيحة بالشعب بأكمله في سبيل تحقيق أهدافه وبقائه، يغامر بالوطن ويتلاعب بمقدراته، ويعرض الناس للمخاطر، ثم يفاخر بأن ذلك مقاومة وأنه حقق انتصاراً إلهياً!
ومرة أخرى النموذجان البارزان في هذا الميدان: حماس في مغامرتها ضد إسرائيل 2008، والتي تسببت في دمار غزة، ومقتل آلاف الشهداء وحزب الله في حساباته الخاطئة والتي جرت الويلات على لبنان (صيف 2006) لو كان للإنسان قيمة لدى حزب الله وغيره لما زج به في حروب عبثية إثر مغامرات غير محسوبة! ولما زج به اليوم في معارك دامية ضد المدنيين السوريين! والأخطر من ذلك أن “حزب الله” بهذا الاصطفاف مع النظام السوري، إنما يؤجج النزعة الطائفية، ويعمق التعصب الديني ويعزز الصدام المذهبي مما يعرض المنطقة كلها لمخاطر الحروب المذهبية، كما يقول الكاتب والصحافي طارق الحميد.
 وتأكيداً لهذا الأمر يقول الكاتب السعودي خالد الدخيل “لم تعرف المنطقة منذ القرن 19 صراعات واصطفافات طائفية على النحو الذي نشاهده الآن”، لقد انتقد رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري حزب الله في تدخله غير المشروع في الأرض السورية متهماً إياه باستنساخ الجرائم الإسرائيلية بحق لبنان، وتطبيقها على أهالي القصير وريف حمص، مؤكداً “أن الحزب الذي يستهين بدماء السوريين ولا يجد غضاضة في المشاركة في المجازر التي تتعرض لها مدينة القصير، لن تضيق ضمائر قياداته في تحمل دماء مئات أو عشرات المقاتلين ممن يسمونهم قوات النخبة”، وتساءل: هل هذا إقرار من الدولة اللبنانية بأن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله هو فوق الدولة ومؤسساتها، وله وحده حق الإمرة في الشؤون المصيرية في شن الحروب بأي اتجاه يختاره أو تختاره إيران؟!”.  حزب الله اليوم بهذه الأعمال المسيئة لنفسه وتاريخه وأنصاره والمعجبين به، والتي جلبت إدانات المجتمع الدولي عليه، معرض لإدراج جناحه المسلح على قائمة المنظمات الإرهابية في الاتحاد الأوروبي، مما يؤدي إلى عدم التعامل مع أي حكومة يشارك فيها حزب الله.
 ختاماً: في خطابه أمام منتدى الدوحة، طالب سمو أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، بضرورة مشاركة الشعوب في إدارة الشأن العام، مؤكداً أن العالم العربي يمر بمرحلة من أهم مراحل تاريخه، ومحذراً من يرفض الإصلاح والتغيير ومتطلبات المجتمعات الحديثة، بأن ضرورات التاريخ ومسيرة الزمن ستغيره، لأن الشعوب لا تقتات بالشعارات والأيديولوجيات.
 ومن هنا نرى أن حزب الله بمساندته لنظام قمعي يرفض التغيير إنما يعاند حركة التاريخ، كما يقف ضد إرادة الشعوب ورغبتها في نيل حرياتها، وهو حتماً يقف مع الطرف الخاسر في النهاية، وهذا موقف غير أخلاقي وغير إنساني يستنزف ما بقي من رصيد حزب الله في نفوس الجماهير العربية.
* كاتب قطري