أقلامهم

إبراهيم المليفي: من لديه مطلب إصلاحي فليبذره الآن، وليسقه ويعتنِ به لأن الحصاد قريب.

الأغلبية الصامتة: ابذروها الآن 
كتب المقال: إبراهيم المليفي
المحاولة الأولى غالباً ما تفشل، الكلام هنا ليس عن الأشياء الصغيرة بل الأماني والطموحات في إحداث التغييرات الشاملة، المحاولة الأولى، وغالباً ما تبدأ من شخص واحد، تواجه بالاستهجان أو التثبيط من الدائرة الأقرب، لكنها في النهاية تتحول إلى سيل جارف من البشر انتشرت فيهم عدوى فيما بينهم بعد توافر الحجة والأسباب المنطقية والمتنورين الذين عرفوا كيف يحملون لواء القضية بأمانة وشرف.
مَن كان يصدق أن المرأة الكويتية ستحصل على تعليم أعلى من تعليم الكتاتيب؟ لقد كسر “التابو” وخرجت الكويتية للدراسة والعمل في الخارج وليس الداخل فقط!
مَن كان يصدق أنها ستشارك في الانتخابات وتصل إلى مقاعد البرلمان، وتجلس مع من كانوا يرفضون حقها بالمشاركة السياسية؟! إنه التطور عندما يحين موعده يدخل دون استئذان، وعندما تغلق الأبواب بوجهه لا يتردد في هدم الحاجز الذي وضع أمامه.
أحياناً يكون الصد والرفض اجتماعياً وليس حكومياً، مثلاً في قضية “البدون” أو حقوق المرأة الكويتية المتزوجة من غير كويتي، الأمر الذي يجعل من يطالبون بحل تلك القضايا معزولين ومحاربين لفترة طويلة، ولكن إلى متى؟ سيهدم “التطور” في فهم الإنسانية كل ما يقف أمامه.
سياسياً تحققت في الكويت مطالب نوعية مثل وضع دستور يمثل الحد الأدنى من مطالب الإصلاح والمشاركة، وسبق ذلك مطالبات منذ بدايات القرن الماضي بالالتزام بالشورى ورأي الجماعة، نتج عنها مجلس شورى في العشرينيات، ومجلس تشريعي “ثوري” نهاية الثلاثينيات انتهى بطريقة ثورية، بعد التحرير أطلق المنبر الديمقراطي مطلبه بفصل ولاية العهد عن رئاسة الوزراء، ولم يمض أكثر من عشر سنوات حتى تحقق ذلك المطلب بعد توافر أسبابه الموضوعية في حينها، ثم تكرس لاحقاً ليصبح سياسة عامة.
مطلب قديم مثل إشهار الأحزاب السياسية ما زال معطلاً لأن الرفض له متغلغل داخل المجتمع، إما جهلاً وإما خوفاً من التجارب العربية، وقد استجد خوف جديد هو “الانقلاب على الحكم” تم تصنيعه وترويجه في قنوات الشيوخ الفضائية، كما أنه متجمد ومهمل على قائمة الإصلاحيين و”المصلحين” السياسيين لأنه متعارض مع الشريعة الإسلامية، كما أنه غير مناسب لمن يريدون العمل السياسي بفردية ودون التزام، مع العلم أن الأحزاب السياسية هي الطريق الأسرع للحكومة البرلمانية والإمارة الدستورية كما يريدها البعض! ولكن لا بأس، نحن في الكويت ولا مانع من إعادة اكتشاف العجلة.
في الختام، أنا لا أحاكم أي مطلب كان، ما يهمني هو الأسباب والبيئة التي جعلت سقف المطالب في الكويت يرتفع بهذا الشكل غير المسبوق وبالعلن؟ هل مستقبل الشباب “الأظلم” هو الذي جعلهم يتركون كل المجالات ويندفعون في اتجاه السياسة؟ هل تكنولوجيا التواصل وتوافر حق إبداء الرأي لأي إنسان هي السبب؟ هل وصلنا فعلاً إلى مرحلة المطالبة بالإصلاح السياسي بما يتجاوز الظروف التقدمية التي ولد فيها دستور الكويت؟ هل وهل وهل؟
أنا شخصياً متفائل بأمرين: أولهما، قانون لكل فعل رد فعل مساوٍ له بالمقدار ومعاكس له في الاتجاه، بقدر الفساد والظلم ستتولد قوة رفض توقف كل تجاوز يقع عليها. الأمر الثاني، وهو يخص الشباب، فما داموا أدركوا أنه لا يحق لغيرهم تقرير مصيرهم نيابة عنهم، فمن المؤكد أنهم سيرسمون واقعاً غير الواقع الذي نعيشه.
الفقرة الأخيرة:
من لديه مطلب إصلاحي فليبذره الآن، وليسقه ويعتنِ به لأن الحصاد قريب.