كتاب سبر

لوأد (سد النهضة)

الله يعين كل مواطن عربي على ما في بلده من مصائب ومشكلات، وعسى أن يهدي الله حكامنا لما يحب ويرضى..
الأزمة التي نشبت أخيرا بين مصر وإثيوبيا حول مشروع “سد النهضة”، الذي تقوم الأخيرة بتشييده على نهر النيل، ما يهدد حصة مصر من المياه، نالت الكثير من الاهتمام من وسائل الإعلام المختلفة.
لذلك فإنني لن أتحدث عن تفاصيل الأزمة، والحلول المطروحة، فالكلام فيها لن يضيف جديدا، لكن ما سأتحدث عنه هو اللقاء الذي عقده الرئيس المصري محمد مرسي مع قادة الأحزاب السياسية، فيما سمي بـ “الحوار الوطني” لبحث السبل والخطوات التي يجب أن تتخذها مصر لحل أزمة “سد النهضة”.
هذا اللقاء شاهده الملايين على شاشات التلفاز على الهواء مباشرة و”دون علم المشاركين فيه”، ولم يحدث سابقا أن قام أي حاكم أو رئيس جمهورية بعقد لقاء لحل قضية شائكة تمس الأمن القومي والغذائي والاقتصادي للبلاد، وإذاعة اللقاء على الهواء مباشرة للعالم كله!.
لقد ترك هذا اللقاء في الذهن مجموعة من الانطباعات والأسئلة في الوقت نفسه.
أما الانطباعات فهي أن غالبية الحلول التي طرحت من الكتل السياسية وقيادات الأحزاب – التي حضرت الاجتماع – لا تنم عن فكر سياسي واسع يستطيع التعامل مع الأزمات، كما أن طريقة النقاش ونوعية الحلول تؤكد سطحية هذه القيادات، وأنها ما زالت في مرحلة “الرضاعة الطبيعية” سياسيا.
فقد كان مضحكا ما ذهب إليه البعض من أن حل الأزمة يكون من خلال تغيير النظام القائم في إثيوبيا، وكأنهم يتحدثون عن محافظة من محافظات مصر، ومن الحلول المضحكة أيضا قول أحد المشاركين: “احنا نطلع إشاعات إن مصر عندها طائرات متطورة عشان إثيوبيا تخاف”، أما الكارثة فكانت الدعوة إلى تدخل مخابراتي وعسكري في إثيوبيا!
 واللقاء مذاع على الهواء مباشرة، وهذا الأمر دليل إدانة دولية لمصر في حال تعرض إثيوبيا لأي أعمال تخريبية.
أما الأسئلة فعلى رأسها، هل إذاعة اللقاء كانت متعمدة أم أنها خطأ غير مقصود؟، وهل الخطأ يكون بإذاعة لقاء يمس الأمن القومي المصري كهذا؟ وكيف يستمر لقاء لأكثر من ساعتين على الهواء دون أن يقاطع اجتماعهم أحد ليبلغهم فور علمه بموضوع البث؟ أما إذا كان الأمر مقصودا (والله العالم) فما هو الهدف تحديدا من إذاعة اللقاء على الهواء؟، هل كان هدفهم تعرية القيادات السياسية المشاركة وقادة الأحزاب، ليرى الجميع عبر الشاشات تخبط هذه القيادات وسطحيتها رغم رغبة الكثير منها بالوصول للحكم؟ أم أن الرئيس المصري كان يهدف إلى تعويض الإخوان قليلا مما فقدوه من ثقة في الشارع المصري؟
السؤال الثاني، ما سر هذا التجاوب من الرئيس مرسي، ودعوته قادة الأحزاب لأخذ رأيهم في هذه القضية، وهو الذي لم يسمع لأي صوت في غالبية المشكلات التي مرت بها مصر خلال الفترة الماضية؟
أما السؤال الثالث والأخير فهو، بعد مشاهدة غالبية من يتصدرون المشهد السياسي المصري من دون تزييف خلال اللقاء، من هو الجدير بحكم هذا البلد الكبير الذي يحتاج إلى قائد محنك سياسيا لأهميته ودوره الإقليمي المهم؟
الإجابة عند الله العلي القدير، ونتمنى من الله أن يرزق مصر وشعبها الطيب المكافح المجتهد الصبور كل خير، وأن تعود إلينا مصر بصورتها الأجمل، والله الحافظ والمستعان.
بقلم.. عبدالعزيز محمد العنجري
(تنشر بالتزامن مع جريدة الشرق القطرية)