كتاب سبر

الماضي أشبه بالآتي

“شرعية الصندوق من عدمه”
قبل أن أشرع في طرح وجهة نظري حول المشهد السياسي الأخير في مصر، أود في بداية المقال أن استرعي انتباه القارئ الكريم عن أهمية فصل وجهات النظر، فإن اختلافي معك بالرأي لا يعني اختلافي معك كصاحب رأي، فرأيك محترم، واختصامي معك بالفكرة لا يدل على اختصامي معك كمفكّر بحد ذاتك في طرح بعض المسائل التي تراها من وجهة نظرك أقرب للواقع. 
إن الاختلاف بالرأي لا يُفسد بالود قضية، ولو لم نقرأ في كل وجهات النظر لم يسعدنا الوصول للنتائج المثمرة، ولو حلّق النقاش وارتفع مع حدة الصوت لطار المنطق بعيدًا عن سماء الإجابة.
وقد نختلف أو نتفق في بعض المضامين السياسية حول شرعية بقاء الرئيس المصري من عدمه، إلا أن الاختلاف  بحد ذاته ثراء في تقريب وتوحيد وجهات النظر، والخلاف فقر ومدعات للفوضى وزعزعة للأمن والنظام.
 
بادئ ذي بدء دعونا نوحد آراءنا حول بعض مفاهيم الإصلاح، فالإصلاح لا يعني الاستبعاد وعقلية الثأر، الإصلاح يتطلب دائمًا وحدة وطنية بين جميع الفئات وعلى كل المستويات مع عدم استبعاد أحد كائنًا من كان، الإصلاح يتطلب الإخلاص من قبل القيادات العليا أولاً حتى يستكين ويطمئن من هم في الأدنى.
 يقول د.علي الوردي: “إن مشكلة النزاع البشري هي مشكلة المعايير والمناظير قبل أن تكون مشكلة الحق والباطل.. وما كان الناس يحسبون أنه نزاع بين حق وباطل هو في الواقع نزاع بين حق وحق آخر. فكل متنازع في الغالب يعتقد أنه المحق وخصمه المبطل، ولو نظرت إلى الأمور من الزاوية نفسها التي ينظر منها أي متنازع لوجدت شيئًا من الحق معه قليلاً أو كثيرًا”.
 
عندما يريد أحدهم أن يقتل نمرًا فهو يدعوها رياضة، أما عندما يقتل النمر أحدهم فيدعوها وحشية، إن الفارق بين الجريمة و العدالة ليس بكبير..! ولو كل رئيس يتم خلعه من قبل القوة العسكرية وفق أهواء وأمزجة الشعب، بعيدًا عن التوافق الوطني، لأصبحت الدول بلا نظام ولا شرعية، الأمر الذي يخلق حالة من الفوضى والفتن والضياع كشريعة الغاب، إلا أن الغاب يتصدرها الأسود دائمًا، وإن كانت الجموع من القطيع تشتت قوة الأسود، إلا أنه يبقى الأسد ملكًا للغابة.
 
إن كل تصّرف وقرار يتخذه الحاكم لا يعجب شريحة من المجتمع ويواجه بالمظاهرات والشحن والشغب، فلن يكون هناك بالأساس حاكمًا متوافق مع الجميع فنحن ولدنا مختلفون في آراؤنا ومأكلنا ومشربنا فماذا لو كان في رأي سياسي يتطلب عمق استراتيجي ونظرة خارجية.
 ما يتضح غالبًا أن معظم المظاهرات العربية تفتقد للثقافة السياسية والوعي في خطواتها مما يترتب على ذلك ظهور غالبية ساحقة برأي أعرج. 
لذا على الشعب المصري عدم الانشغال في الشؤون السياسية بعد الترشيح والانتخاب إلا بعد انقضاء مدة الترشيح أو من خلال الحوار حول آلية عمل انتخابات مبكرة، الشعب المصري انتظر طويلاً ليحدث تغيير في النظام السياسي ولا بأس في اعطاء الرئيس الشرعي مدته القانونية ثم  اعادة ترشيح الرجل المناسب.
منذ سنوات ومصر تعيش انتفاضة عارمة ومن الصعوبة في ظل هذا الوضع أن يتم الإصلاح في شهور قليلة وعلى الشعب أن يحترم ارادة الأمة لا التوجهات او التوجيهات التي يتلقاها الحاكم.
 
مهما تحدثنا عن آليات التوافق الوطني والاحزاب فقد كانت هناك انتخابات شرعية اشرف عليها الشعب المصري بالتوافق مع كافة اطياف المجتمع المدني ومن ثم تسلسلت الانتخابات بين عدة مرشحين وكان الشعب سعيدًا بذلك وصولاً لانتخاب مرسي للرئاسة وفوزه بنسبة 51% ليكون مرسي ولأول مرة في تاريخ مصر رئيسًا لمصر بالانتخابات شئنا أم ابينا اتفقنا معه ام اختلفنا معه.
 ونحن لسنا بصدد ذكر محاسن أو مساوئ الرئيس المصري وهو من أي حزب كان ولكننا نتحدث عن نظام قد قام بالفعل، صحيح كما يقال “أهل مكة أدرى بِشِعابها” إلا أن من الجلي أن تحترم ارادة الشعب.
 
هناك من يزعم قولاً أن الرئيس المصري خالف قواعد العملية السياسية بعد ثورة 25 يناير من خلال انفراده في السلطة، لذلك تجددت الثورة ! وهذا التكهن ليس صحيح فعليا لأن كل رئيس دولة يحق له أن يضع سلم أولوياته في المرحلة المقبل عليها كما يراها مناسبة وفق الوضع العام والسياسات المتراكمة، كما ليس مطلوب من كل رئيس دولة منتخب أن يبرر ويوضح للمجتمع بالخطوات ما يود فعله وعمله بشكل دقيق والشعب هو من فوضه في إدارة شؤون الدولة سواء بالسلب أو الإيجاب، ومن المعلوم أن الدولة لاتزال مليئة بالمناصرين التجار والموالين للحكومات السابقة والمتجذرين من القضاة.
و إن كان الجميع من اطياف المجتمع يتحركون للأمام بخطوة واحدة وعلى وفاق واحد فبدون ادنى شك سيكون النجاح كفيل أن يتحقق وحده.
الوطن هو حيث يكون المرء في خير ” لاعندما يكون على صِدام دائم ..!
ولو أن الشعوب وتلك الجموع خرجت لزراعة حقل او بناء سد لرأينا حضارة جديدة تنافس كل الحضارات السابقة.
 
وعلى الرغم مما يحدث ستظل مصر محفوظة و محروسة تحت ظل العرش .. و ستظل خيمة لعباده .. حتى يأذن الله للدنيا بانتهائها .. حفظ الله الشعب المصري والأمة الإسلامية من كل مكروه.