كتاب سبر

جاسم السعدون في مقال ساخن: وما ملكت أيمانكم

ينجح النظام الديمقراطي في إعطاء كل مزاياه، عندما تحترم فيه آلية التغيير السلمية، إذ يحتكم الناس إلى صناديق الاقتراع، ويبقى أو يرحل من يتولى إدارة الشأن العام، ويقوم الطرف من خارج السلطة بمراجعة مسيرته وتحسينها ثم تقديم أفضل ما لديه لعل صناديق الاقتراع تنصفه، لبنان والكويت استثناءان، ديمقراطيتهما معطلة، وحالهما خائب، ففي لبنان لا يطال التغيير الانقسام الطائفي، فالرئيس ماروني ورئيس الوزراء سني ورئيس البرلمان شيعي، وعلى كل طرف الدفاع عن طائفته حتى ولو كان على حساب الوطن أو أي مواطن آخر، ثم أخذوها خطوة واسعة إلى الخلف، فابتدعوا منهج الثلث المعطل، أي حق الأقلية في المعارضة بالاعتراض -الفيتو- على قرارات الأغلبية لذلك أصبحت “حارة كل من ايدو إلو”.  
في الكويت، ابتدعت الأسرة منهج الثلث المسيّطر، فالحكومة المعيّنة ثابتة، وما عداها متغيّر، وأفرزت الديمقراطية الكويتية مفهوم ديمقراطي جديد أسمته الأغلبية المعارضة، وفي التشكيل الحكومي الجديد، ألقت الحكومة القفاز حتى بوجه مؤيديها، وكرّست نهج “الثلث المسيّطر”، لم تكتفِ الأسرة بالمادة الرابعة من الدستور التي منحتها حكماً وراثيا ترأس فيه السلطات الثلاث وتكون حكما بينهما، وإنما ابتعلت المادة السادسة من الدستور، وأصبحت بقية الشعب “وما ملكت أيمانكم”. 
أصبحت الحكومة وهي جهة إدارة، تحت السيطرة الكاملة للأسرة، وأصبحت الحكومة “سي السيد” في المسلسل المصري الشهير، ولا يزال هناك بيننا من يدعو الله بأن “الله لا يغيّر علينا”. 
فشلت الحكومات المتعاقبة في خلق الوظيفة وتوفير السكن وتوفير الخدمة الصحية اللائقة والتعليم في أسوأ حالاته والبنى التحتية مهترئة والفساد يزكم الأنوف، والله لا يغيّر علينا.
حتى في العفو الأميري الأخير عن 10 محكومين أو نحوهم، لم يتركوا الأمر لكي يمر على صفة كريمة في العشر الأواخر من رمضان، وإنما تمت دعوة أهالي المحكومين وطلب من بعضهم اعتذاراً علنياً مهيناً مقابل تأكيد الافراج، أليسوا مما ملكت أيمانكم؟. 
لست معنيًا بالساسة والسياسة، فلم يعد الأمر يتعلّق بتحسين أداء، وإنما بحقيقة بقاء، فبعد حصاد الحكومات المر، لا بد من مقاومة منهج “الثلث المسيّطر”، لقد دمّر هذا الثلث البلاد، وفي دول النفط، ليست هناك فرصة ثانية. 
ولأننا لا نملك سوى الاعتراض السلمي، فسوف أظل أتمنى أن تتبنى بعض مؤسسات المجتمع المدني عريضة من ثلاث جمل يتم التوقيع عليها ممن يرغب، أما الجمل فهي، “لست ممن ملكت أيمانكم”، ولا أقبل بمنهج “الثلث المسيطر”، “والله يغير علينا” قولوا آمين.