كتاب سبر

جنرالات السراير

من المفارقات الغريبة والعجيبة التي تتخلل الأزمة الراهنة في مصر، هي تلك المزايدات التي تصدر بين الحين والآخر من قِبل الفرق المتخاصمة فيما بينها هناك حول (الجيش المصري).. فنسمع سيمفونية (يا جيش مصر العظيم) على لسان جماعة الإخوان المسلمين، وإسطوانة (يا جيش مصر الباسل) المشروخة عبر بيان لحركة تمرد، وعِبارات (يا جيش مصر الأبي) .. الشامخ .. الهُمام .. الجبار .. إلخ … مُدّويه فوق منابر الفلول والأقباط وأنصار الكنبة، وكل تجمع بشري ينزل ميادين وشوارع المعمورة، نرى هذه المزايدات على الرغم من أن جميع هؤلاء يعلمون علم اليقين، أكثر مني ومن أي شخص آخر أن الجيش المصري يفتقر لكل تلك الصفات التي ألصقوها به، بل ويعوْن تماماً أن جيشهم يتميز بجميع الصفات المضادة لتلك التي يفترون كذباً بها علينا وعلى أنفسهم، وما هذا الجيش الذي تجرّع (السياسة الانقلابية) -منذ الانقلاب على الملكية.. منذ خلع نجيب.. منذ موت عبدالناصر في ظروف غامضة.. منذ اغتيال السادات.. منذ نجاة مبارك بأعجوبة مُدبره من ذات الاغتيال .. منذ استيلاء طنطاوي على مقاليد السلطة التي انتزعها الشعب.. منذ الانقلاب على مرسي.. منذ الإدانه بالولاء للمليارات الخليجية .. منذ كافة تلك الانقلابات والتقلبات- ما هذا الجيش سوى رهط من المرتزقة الذين جبنوا عن متاخمة حدود بلادهم ليجروا الويلات على وطنهم ومواطنيهم، فتباً لهؤلاء الخونة، ثكل الله كل من يبرر مجازرهم ومساعيهم.
عندما وصلت الجماعة الإسلامية إلى سدة الحكم في تركيا، لم تبدأ بملاحقة فلول المتطرفين العلمانيين المناوئين لحكمها هناك، فهي تعلم أن هؤلاء لم يعد بيدهم شيٌ من أمور الحل والعقد، وإنما قامت من فورها بتصفية وتطهير الدولة من براثن الجناح المسلح لهذه الفلول، والمتمثل بالخونة من الجنرالات الذين كانوا ولا زالوا وسيستمرون في منهاضة الحكم الإسلامي، وبالفعل .. فما إن قامت الحكومات الإسلامية المتعاقبة في أنقرة بالبدء من فور وصولها للحكم بتصفية صفوف الجيش من الخونة والمتواطئين، حتى عرفت الأحزاب والجماعات العلمانية الله حق المعرفة، فرضخت بالتالي لواقع الإرادة الشعبية والخيارات الديمقراطية، وهذا مع خالص الأسف ما فات الجماعة في مصر بعد تعيين أحد الخونة وزيراً للدفاع وقائداً عاماً للقوات المسلحة، والاكتفاء بمطاردة فلول ما لهم حولٌ ولا قوه.