بورتريه

بورتريه
سليـمان الفليـّح.. يطـوي أشـرعته

برحيل الشاعر “السعودي” سليمان الفليح تكون الساحة الأدبية في الخليج قد اتشحت بلون الحزن، فقد أحدثت فيها وفاة هذا الأديب ثغرة لن تُسد، وهو الذي ملأها وشغل ناسها بأشعاره و “هذرولوجياته”.. تلك التي سطر فيها أروع ما يكتبه أديب عن نفسه وعن قبيلته وعن وطنه، مستفيداً من نشأته الصحراوية التي أطعمته الشعر قبل أن يبلغ سن الحداثة.. ففي الصحراء نشأ، وفوق رمضائها نمت قريحته واستطالت.. وأينعت ثمارها، حتى إذا بلغ نهاية المطاف قرر أن يطوي أشرعة الكتابة.. ويتوقف عن الإبحار في محيطها.
يتم الطفولة لم يقف حاجزاً في طريق موهبته، فقد رحل عنه والده (لافي العنزي) وهو في الرابعة مايزال، وحين بلغ  السن التي تؤهله للزواج قرر أن يتزوج، وعاهد نفسه أن ينجب قبيلة من الأبناء تعوضه عن حالة اليتم التي لازمته صغيراً وظلت آثارها منطبعة في وجدانه حتى – ربما – قبل أن يخطفه الموت.
وكان عقد السبيعنيات من القرن الفائت شاهداً وموثقاً لأول ثمرات نتاجه الأدبي عندما أصدر ديوانه الشعري (الغناء في صحراء الألم).. كان رحمه الله يكتب الشعر ويتلوه بالتوازي مع عمله جندياً في الجيش الكويتي، وزاويته الشهيرة (هذرولوجيا) ظلت محل ترحيب الصحف الكويتية، تنتقل من صحيفة إلى أخرى حاملة معها الإثراء والغزارة، بدأها في جريدة السياسة وانتقل بها إلى الوطن ثم إلى الرأي العام وفي عدد من المجلات والإصدارات الثقافية قبل أن يترك الكويت نهائياً إثر تسريحه من الجيش ويغادر إلى المملكة العربية السعودية، وهناك مُنح جنسيتها ولم يجد إلا الترحيب والحفاوة من أهلها شعباً وقيادة.. عاد بعد ذلك ليكتب في جريدة الجريدة الكويتية، ثم جريدة أوان التي توقفت عن الصدور لاحقاً.. وظل مواظباً على كتاباته في صحيفة الجزيرة السعودية.
أما فقدان الهوية فلم يكن هو أيضاً مانعاً له من ارتقاء سلم الشعر.. أو الأدب عموماً، فقد تحدى سليمان الفليح كونه من “البدون” واستمر يسقي شجرة الأديب في داخله حتى الأيام الأخيرة التي قضاها هنا في الكويت.. وتحديداً في منطقة الصليبية التي ذكرها في عدد من مقالاته وكان لها نصيب من بعض قصائده، تماماً كما كان يفعل الشعراء في العصور السالفة حين يكون المكان عنصراً مؤثراً ومتأثراً في شاعرية الشاعر وشيئاً دالاً عليها.. 
هو سليمان بن فليّح بن لافي العنزي , ولد في منطقة الحماد في شمال المملكة العربية السعودية (هناك من يذكر أنه ولد في بادية الكويت) نشأ نشأة الكفاف.. وكان في صغره يرعى قطعان والده الشاعر فليّح بن لافي رحمة الله.
 ولد بين عامي 1950 1951، كما قال هو في أحد حواراته الأدبية: توفي أبي وأنا ابن الأربع سنوات وأصبحت يتيمآ ولم يكن لي أخوة.. فقلت حينما اتزوج سوف أنجب قبيلة من الأبناء تعوضنّي مأسأة اليتمّ، لكي لاتذوقوا ماذقت من مرارة اليتّم والوحدة دون أخوة.. وضعتني أمي تحت شجيرة في الصحراء ولفتني بطرف عبائتها ثم سارت تغني في ركب القبيلة الضاعنة نحو حدود الغيم.
ومما كتب: 
صهيل مع الريح يأتي وكانت خيول القبيلة
نيامًا على بعض أمجادِها والكلاب
سعارى تهرُّ على ظلها والذئاب
تلوبُ البيوتَ الحزينة
وتفتض أنيابُها كلَّ باب