آراؤهم

فقراء ولا علقمة لهم!

هجا الأعشى علقمة بن علاثة فقال: 
تبيتون في المشتى ملاء بطونكم ****  وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا
فلما بلغ علقمة ماقاله الأعشى بكى  علقمة من شدة وقع الكلام عليه، فهو كذب وزور.
وقد قدحت هذه الحادثة في ذهني بعد أن صليت العشاء في أحد مساجد الجهراء في منطقة الواحة، ولما انتهى الإمام والمصلون  من أداء فريضتهم، إذا بصوت امرأة ينفذ من أحد أبواب المسجد يشكو الحال متذمرا من صعوبة المعيشة ومتطلبات الحياة وثقل تكاليفها، كما أخبرت المصلين بأنها ذات أيتام. 
وما إن هممت بالخروج حتى واجهني رجل مسن مقعد يدعو الناس لمساعدته بصوت هامس خافت حياء من ذل السؤال وهربا من عيون الرجال.
الموقف جلل وتأباه النفوس الأبية، ولعل ذلك الرجل كان عزيزا موسرا في صباه وشبابه ، فدالت عليه الأيام بخطوبها، ونهشته الليالي بأنيابها، وأظن المرأة ممن كن يلبسن الذهب بكرسيه وقلائده وخلاخله، ولكنها الأحوال حين تتقلب فتقسو على الإنسان. 
هذا المشهد أثار في نفسي شجونا، وألب علي المواجع، فبلادي الحبيبة بلاد الخير، يصل خيرها إلى أصقاع الأرض. يأتي الناس من كل فج عميق يطلبون الرزق. يأتون خماصا فيعودون إلى ديارهم بطانا- هذا إن عادوا- لماذا؟ لأن البلاد قد حباها الله من نعمه العظيمة وآلائه الجليلة ما يسع جميع قاطنيها ويزيد! 
كما أسبغ عليها نعمة الأمن والأمان التي نسأله – سبحانه- أن يديمها عليها في ظل حضرة صاحب السمو أمير البلاد حفظه الله ورعاه، فالناس يستقرون حيثما وجدوا الرزق والأمان. لذلك لابد من وقفة جادة من قبل المسؤولين تجاه حاجة إخوانهم في الدين والعروبة والوطن.
إن هؤلاء المحتاجين لم يأتوا البلاد اليوم أو قبل سنة أو عشر!! ولكنهم ولدوا على هذه الأرض الطيبة وترعرعوا في كنفها، لذلك فهم مسؤولية الدولة بكل قطاعاتها ومؤسساتها، وتستطيع الدولة بمبلغ بسيط نسبيا أن تمنع هذه المشاهد بإقرار حق الكرامة الإنسانية كما هو معمول به في العالم المتقدم، حيث تخصص للضعفاء والمعوزين والعاطلين مبالغ شهرية تحفظ لهم كرامتهم وتمنعهم ذل السؤال. 
إنني أدعو كل ذي قلب ينبض بالرحمة أن يسعى في إنصاف هذه الشريحة، وبالإمكان التنسيق مع بيت الزكاة، وقد سبق وأن طرح الأخوة الأفاضل في لجنة البدون الكويتيين مبادرة لإقرار رواتب شهرية للبدون ذوي الأسر المحتاجة، وحينها قيل إن المبلغ اللازم هو أربعون مليون دينار، وتعثر الموضوع لعدم تبنيه من قبل كبار المسؤولين. 
وبعملية حسابية بسيطة لو افترضنا أن عدد المحتاجين وكبار السن والمطلقات والأرامل خمسة آلاف أسرة على أن يخصص لكل  أسرة مبلغ 500 د. ك شهريا، وبالتالي يصبح المبلغ السنوي خمسة وعشرين  مليونا، وهو مبلغ يسير على دولة مثل الكويت. 
ختاما فقد آلمني رؤية تلك المرأة المسنة وذلك الشيخ الكبير، لاسيما ونحن في الكويت التي يصل خيرها إلى مشارق الأرض ومغاربها! 
وأتمنى أن لايكون هذا الكلام صرخة في واد؛ كي لا أتمثل قول فارس العرب عمرو بن معديكرب الزبيدي: 
لقد أسمعت لو ناديت حيا**** ولكن لا حياة لمن تنادي
ترى أين نحن في هذا الزمن من شهامة ومروءة علقمة ؟!!