أقلامهم

حسن العيسى: ما الجديد عندما نطالع خبراً في الإعلام بأن الكويت في أسفل السلم الخليجي؟

من دون جدوى 
كتب المقال: حسن العيسى
ما الجديد عندما نطالع خبراً في الإعلام بأن الكويت في أسفل السلم الخليجي وفي مراتب متدنية في التعليم والبحث العلمي والابتكار ومناخ الاستثمار… وكل ما له صلة بالإبداع والعقل والقدرة على التجديد؟! أين الجديد في ما ذكره تقرير التنافسية العالمي قبل عشرة أيام تقريباً عن وضع الكويت المزري والمضحك وهي الدولة الأكثر إنفاقاً في مجالي الصحة والتعليم وغيرهما من مشروعات التحديث والأكثر رغاء عن تحويل الدولة إلى مركز مالي عالمي، وفي الوقت ذاته هي الأسوأ في التعليم والصحة وكل الأمور التي ظلت حكوماتها المتعاقبة تسهب في “الرغي” فيها والوعد بتصحيحها، مقارنة ببقية دول مجلس التعاون! أين الجديد في كل هذا؟! وهل هناك جديد عندما يخرج علينا عنتر من عناترة التصريحات النيابية بمجلس الملحق التكميلي للسلطة ذارفاً دموع الحزن والأسى عن وضع الكويت في دنيا الفساد ومتوعداً المسؤولين بالمحاسبة السياسية؟! من يصدقه ومن سيصدق أيضاً تصريحات أهل البشوت السوداء الكبار في مشيخة “الله لا يغير علينا” بأنهم جادون وأنهم سيعدلون وسيعتدلون في أساسهم المائل؟!
المحزن ليس أنه لا جديد حين تكشف مراكز البحوث والدراسات العالمية عن “عورات” الدولة في الصحة والتعليم والابتكار والاستثمار، المحزن أن جلودنا أصبحت سميكة وصلبة لا نكترث بهذا الخبر أو ذاك، ولا أحد يشعر بأي وخزة ألم من تلك الأخبار التي نقرأها اليوم، والتي مازلنا نشرب من مرارتها عبر سنوات طويلة في عهود هذه الإدارات السياسية الحصيفة. لم يعد الكثيرون يكترثون بمثل تلك الأخبار لأنهم أضحوا على قناعة بأنه “ماكو فايدة” من الحديث عنها وتسليط الضوء عليها.
هي السلطة الحاكمة التي علمت ونشّأت الناس على أن تكون جلودهم “ثخينة”، فمهما تحدّث المهتمون المخلصون في هذه القضايا، فلا أحد سيسمع ولا أحد سيكترث بما يقولون، فليس مهماً عند حصفاء الحكم أن تكون الكويت في أسفل السلم أو أعلاه، أو أننا نسير من سيئ إلى أسوأ في رداءة الخدمات العامة رغم مليارات الدنانير التي تهدر عليها، المهم أن يعرفوا أن زيداً وعبيداً من السياسيين محسوبان على هذا أو ذاك من الشيوخ في صراعات القصر الداخلية أو في صراعات القصر مع رموز المعارضة… المهم عند كبار حصفاء إدارات الدولة الغارقة في الفساد أن تبقى الأمور على حال “يا رب لا تغير علينا” مهما تراجعت الدولة في معظم أمورها، ومهما حوصرت حقوق الناس وحرياتهم… فليس من شأن الحصفاء وزبانيتهم في القطاع العام أو الخاص كل ما سلف… المهم أن يبقى عرض مسلسل الرداءة والفساد مستمراً والناس يشاهدونه بلا إحساس بالمأساة وغياب رد الفعل المطلوب، المهم عند حصفاء الكويت أن يتم إقناع الناس بأن سبب تعطل قطار التنمية والتطوير (وليس لدينا أي قطارات) منذ منتصف الستينيات من القرن الماضي حتى اليوم هو تلك المجالس النيابية المعارضة، وأن العلة ليست فيهم بل في هذه الديمقراطية مهما كانت صورية وفي هذا الدستور مهما كان شكلياً ديكورياً.
الزميل محمد البغلي في جريدة “الجريدة” عدد الخميس الماضي يُرجع تردي الخدمات في الدولة وأخطرها “التعليم” إلى “… عدم وجود مشروع تنموي يُجمع عليه المجتمع وينشغل به بشكل حقيقي”، ربما هذا صحيح، لكن المؤكد أن أزمة الدولة تكمن في غياب الرؤية للمستقبل في بيت الحكم، وأنه لا يوجد غير مشروع حكم للسلطة لا مشروع للدولة وبقائها وازدهارها، بهذه النظرة التي تختزل الدولة إلى مؤسسة حكم لا أكثر، وتنظر إليها كما نظر لويس الرابع عشر إلى الدولة الفرنسية على أنه هو الدولة لا غير، تكمن مصيبتنا في بلد “يا رب لا تغير علينا”.