أقلامهم

عبدالمحسن جمعة: أرواح ضحايا الغوطة استغلت لتحقيق انتصار تاريخي لتل أبيب.

برداً وسلاماً عليك يا بشار! 
كتب المقال: عبدالمحسن جمعة
منذ فترة مبكرة من اندلاع الثورة السورية، وتوالي المجازر البشعة لنظام بشار الأسد ضد شعبه، أيقنت أن اللاعبين الأساسيين في المجتمع الدولي يباركون ما يحدث ضد الشعب السوري بطرق مستترة، وعبرت عن ذلك في عدة مقالات سابقة، وأوضحت أن أولئك اللاعبين يريدون أن يدمر الكيان السوري ويفتت ذلك التجمع السكاني الذي يشكل تهديداً أساسياً لحدود إسرائيل الشرقية، لاسيما أن التجمع السكاني الكبير الآخر المصري يفصله عازل جغرافي كبير عن الكيان العبري، متمثلاً في شبه جزيرة سيناء، إضافة إلى وجود اتفاقية سلام بضمانات دولية بين القاهرة وتل أبيب.
ومنذ أن صوت مجلس العموم البريطاني بعد مجزرة الغوطة الكيماوية البشعة في أغسطس الماضي ضد المشاركة في معاقبة نظام الأسد عسكرياً تأكدت أن ما فعله بشار الأسد سيمر برداً وسلاماً عليه، وأن فصول المسرحية الدولية ستتوالى لطمس الجريمة واستغلالها لمصلحة ضمان أمن اسرائيل وتحقيق انتصار تاريخي لها، ولم أصدق كلمة من كلام وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن ضحايا مجزرة الغوطة ومعاقبة من قام بذلك، ولا تصريحات رجل البيت الأبيض الضعيف باراك أوباما الذي أكد اعتقادي ذلك بطلبه تفويضاً من الكونغرس الأميركي لمعاقبة النظام السوري عسكرياً، وهو يعكس حالة الانهزامية السائدة حالياً في المجتمع الأميركي الذي يريد أن يحكم العالم وينعم بخيراته دون ثمن أو تضحيات، وهو ما لم يحدث قط في تاريخ البشرية.
أرواح ضحايا الغوطة وعذابات نزعات الموت الأخيرة لهم التي شهدناها على الشاشات استغلت لتحقيق انتصار تاريخي لتل أبيب عبر نزع آخر ورقة بأيدي العرب في مواجهة ترسانة الدمار الشامل الإسرائيلية بالاعتراف بمخزونات السلاح الكيماوي السوري وتدميره، واستعملت كذلك ليمدد النظام العلوي بقاءه في الحكم ليقتل مزيداً من السوريين، بينما انتشى لافروف وكيري بضحكة النصر الذي تحقق لإسرائيل في لقائهما الأخير في جنيف، فالروسي والأميركي لم يكونا أبداً من خصوم إسرائيل بل من الحلفاء الدائمين لها، وللأسف فإن تلك اللعبة يشارك فيها الأخضر الإبراهيمي (العربي) وهو بالتأكيد يعلم ما يفعله الأميركيون والروس والبريطانيون والفرنسيون بالشعب السوري وأمته العربية. ولا أشك أن خبرات وتجارب الإبراهيمي تجعله يفهم ما يخطط خلف الكواليس، والمحزن أن الإبراهيمي يصرح بأن المهم الآن هو ملف السلاح الكيماوي السوري ويتناسى الجريمة ومرتكبها وحقوق ضحاياها ولا ينسحب على الأقل من هذه المؤامرة الكبرى.
فعلياً، لا يرى الرئيس أوباما في الفاجعة السورية سوى مصلحة إسرائيل وأمنها وهو رئيس متردد وذو أفق محلي محدود، وسيتلاعب بالكلمات والمهل والخطوط الحمر في خطاباته المشوشة وغير المتماسكة المقبلة حتى يصفى الشعب السوري وتدمر مقدراته جميعاً، ولن يكون شرطي العالم في سورية بينما كان كذلك في ليبيا! ووزير خارجيته جون كيري هو من مدرسة الحزب الديمقراطي التي حققت أفضل المكاسب لإسرائيل وعززت وجودها تاريخياً، ولا يرى كيري في دماء الشعب السوري إلا اللون الأحمر المحبب له والذي يشبه لون منتج مصنعه الأضخم لصناعة “الكاتشب” في العالم ولا يعبأ ولا يستمع إلى أنين الضحايا كما هي حال إدارته والغرب جميعاً.
من المؤكد أن مشروع الاتحاد الأوروبي وأميركا وإسرائيل يلتقي في العناوين الرئيسية مع المشروع الروسي الإيراني في إضعاف الشرق العربي وتفتيته واقتسامه بعد ذلك، وإن كانوا يختلفون أحياناً حول التفاصيل، وهو المشروع الذي سنكون نحن عرب الخليج والأردن وتركيا الخاسرين فيه، ولذلك يجب أن نتحرك لتأسيس تحالف الراغبين في حماية الشعب السوري ونبدأ في مواجهة المؤامرة والعالم المتخاذل بإجراءات اقتصادية نفطية تتدرج حتى العمل العسكري ضد مجرمي النظام السوري، وإلا فإننا سنستيقظ يوماً على خطة اقتسام إيرانية روسية-إسرائيلية لكل الشرق العربي خاصة بعد أن أعلن أوباما أن اكتفاء الولايات المتحدة من الطاقة واكتشاف مخزونات نفطية كبيرة في أميركا سيغير بشكل كبير وجودها في الشرق الأوسط، وقد يؤدي إلى انسحاب كامل منه، وهو ما يعني منطقياً تسليم حصته منه إلى وكيلها في المنطقة إسرائيل.