كتاب سبر

ظروف الوشيحي

نشرت جريدة الجريدة مقالاً بعنوان: ما بعد النفط ؟!، سطّره كاتب يدعى محمد الوشيحى.. وهذا الكاتب وكما تؤكّد أصدق الإشاعات الموثّقة هو المسؤول الأول عن شعبة الليبراليين فى التنظيم العالمي للأخوان المسلمين (نسأل الله السلامة)، وأسمه الحركى “بوسلمان” كما أوردت أيضًا وثائق ويكليكس.
كما أن هذا الكاتب  وإلى الآن لم يستدل على مذهبه، فهو لا يكتّف يديه أمام السادة المسؤولين، لنقول إنه على مذهب “السنة المالية”، ولا يرخيها كذلك أمام التجار فنقول انه من شيعة الغرفة، بل يلوّح بهما دائمًا يمينًا ويسارًا، و”جنب الخشبة” مثيرًا الغبار فى هذا الوطن المعطاء، لتنخفض مساحة رؤية المواطنين البسطاء فلا يكادون يرون إلا هذه الـ17 ألف كم مربع  والمسماة مجازًا بالكويت، المهم دعوا الكتّاب للخالق، فليس موضوعنا هنا الكاتب بقدر اهتمامنا  بما كتب.
الكاتب فى مقاله – والعياذ بالله – يتشبّه بالكافر شمشون، فتراه يمسك بجانبى عموده الصحفى ويهزهما بعنف صارخًا فى وجه القراء: علي وعلى أعدائى يارب، وإن كان شمشون أحب الست دليلة، حتى أغوته وقصّت شعره وسلبته قوته.. ولكن هذا الكاتب قلبه دليله وهي دليله لا تقص ولا تلزق، بل تقصص حروفه علينا على مقام شهرزاد، ليستقوي علينا بعدها كشهريار، ويتمنى أن يرى أخواننا من الصامتين على اجتهادات الحكومة المجهدة لتنميتنا، متسولين على أبواب المساجد، أو بائعين للفل فى حواري الجوار، أو ماسحين لزجاج السيارات، ولكن هيهات ثم هيهات يا الوشيحي.
نسيت أو تناسيت إنه إن كان صدر هذا “النفط” ولى // فإن “غدا العائلة” لناظره قريب، وإننا نملك ما هو أثمن من هذا النفط، ألا وهي تجربتنا الديموقراطية الطويلة، الحافلة، القطار، المترو، والمطار والتي ما أن تشم دول الأرض خبرها، حتى تتداعى علينا مطالبة إيانا برشفة دمقرطة واحدة فقط، واحتمال كبير أن تقول لنا الأمم “تكفى” وترمي علينا العقل، والقحافى، والسكود والتوماهوك لتستفيد من خبراتنا الديموقراطية المميزة والفريدة.. فالعالم قد يستغني عن النفط، ولكنه لن يستغنى عن الديموقراطية، وهذا كلام التاريخ، وليس كلامي أنا، فهو يقول أن الأغريق قديمًا – وهم مؤسسي الديموقراطية – لم يكونوا أعضاء فى أوابك أو أوبك، ويقول أيضًا أن السنغافوري حاليًا قد يستغني بعد النفط عن قيادة سيارته، ولكنه لن يستغني إطلاقًا عن الديموقراطية لقيادة أمته إلى العلا.
ليس هناك شعب مارس الديموقراطية بدون ديموقراطية كما فعلنا نحن، نحن وبلا فخر طبّاخ البرلمانات الوحيد الذى صنع من جسد الديموقراطية “مرقة هوى”، كما أننا أول شعب فى العالم بلغ فى تقنيات الدمقرطة شأنًا عاليًا، جعله يحنط نصوص الدساتير ويضعها فى متاحف خطب المنابر، والبيانات الحكومية، وامتحانات آخر السنة وما يطلبه المشاهدون، ونحن الشعب الوحيد الذي استطاع عصر لب الفكر العالمى ليصنع منه كوكتيلاً فكرياً “طعنه” لذيذ، ومذاقه “حمض ما فيه أحد !.كوكتيل مكوناته  ليبرالية تحث على طاعة ولي الأمر، وإسلامية  تدعو إلى الاقتداء بحريات الغرب، ويسارية يقودها اشتر “كي نت”، ورأسمالية يقودها فقراء معدمين يتصدّق عليهم المال العام بالمناقصات والمشاريع والمناصب، ديموقراطية تحمل لوائها عين عنصري تبكي على الوحدة الوطنية، وحجاج زاهد يضحك أمام الوحدة النقدية، ووسط إعلامى يهز على الوحدة ونص، كوكتيل ديموقراطي تعلوه رغوة دسمة تحتوي على معتزلة انتخابات، وجبرية صناديق، ومرجئة تنميه، ووجوه جهمية علينا وفى المنح الخارجية ضواحك، يختلفون، ويختلفون، ويختلفون وتتعالى أصواتهم حول مسألة: هل الإنسان مخلوق أم لا؟ لا يا أبا سلمان سنعيش بعد النفط و”نتنشنش” من شباك التذاكر، لأننا نجسّد “الحلقة المفقودة” التي لم يشاهدها العالم من مسلسل الديموقراطية.
لا أخفيكم علمًا بأن أكثر ما شدّني فى عنوان مقال الوشيحى هو كلمة “بعد”، فتساءلت بيني وبين “أنفاسي” هل هي هنا ظرف زمان؟ أم ظرف مكان؟ أم إنها مجرّد “ظُرف” لا نملك أمام طرافته إلا أن نقهقه حتى آخر قطرة “رفات ديناصور” ساترة علينا.