أقلامهم

عبدالمحسن جمعة: الكويت ليست بحاجة إلى معرفة أولويات شعبها، بل إلى معرفة سبب حالتي اليأس والإحباط.

… اليأس يلف الديرة! 
كتب المقال: عبدالمحسن جمعة
الحمدلله، أُنجز استبيان مجلس الأمة في وقت قياسي، وظهرت أولويات الشعب الكويتي عبر العينة التي ناهزت العشرة آلاف مواطن، وفقاً لمرجعية أمانة مجلس الأمة والشركات التي تعاونت معها، وأسفر الاستبيان عن ثلاث قضايا رئيسية هي: الإسكان والصحة والتعليم، والحمدلله مرة أخرى، أن الأولويات لم تكن بينها قضايا مفاجئة وغير متوقعة كانت ستستدعي دراسات ولجاناً وزارية تستنزف المال العام مجدداً لأن أجهزة الدولة منذ أكثر من ربع قرن، وهي تعد الدراسات وتشكل لجاناً عليا لبحث هذه القضايا الثلاث، كما أن ورش العمل التي طلب سمو أمير البلاد إنشاءها لمؤتمر الشباب الكويتيين تحت عنوان “الكويت تسمع” بحثت نفس القضايا وأصدرت توصيات بشأنها كأولويات للدولة.
الحقيقة أن الكويت ليست بحاجة إلى معرفة أولويات شعبها، بل إلى معرفة سبب حالتي اليأس والإحباط اللتين تدفعان الكثيرين إلى عدم المبالاة الذي ينعكس لقلة الإنتاجية والاستهتار بقيم العمل والإنتاج والإبداع والاستهتار بالقوانين، وهو ناتج حتماً عن سنوات طويلة من الوعود الزائفة بالإنجاز، والصراعات العبثية على الكرسي ونفوذه والاستحواذ على فوائض البلد وبريق ثروته، ولذلك فإن الحديث عن أولويات وطنية باستبيان محدود استخفاف بقضية بلد متشعبة ومعقدة تبدأ من معضلة اقتصادية كبيرة بخلق اقتصاد متوازن بعيد عن أحادية الدخل إلى قضية تردي الخدمات العامة في بلد يحقق أعلى الفوائض المالية عالمياً مقارنة بحجمه وتعداد سكانه.
حالة اليأس بين الشباب الكويتيين أصبحت سمة غالبة تطمسها أحياناً مظاهر الرفاهية الناتجة عن توزيع الدولة لبعض الفوائض في صور منح وزيادة رواتب بين حين وآخر، ولكن في العمق هناك تحديات مستقبلية جدية تواجههم، أهمها توفير السكن والعدالة في الفرص الوظيفية والترقي وجودة الخدمات العامة ومحاربة الفساد ومشكلة التناحر المستجدة بين مكونات المجتمع، وهي قضايا مطروحة منذ أمد طويل فالقضية الإسكانية منذ عقدين من الزمن يرتكز حلها على الخروج من جغرافية الكويت القديمة إلى رحاب مدينة جديدة مثل مدينة الحرير وربطها بالعاصمة عبر وسائل نقل حديثة مثل المترو وغيره، ولكن لا شيء ينجز في الديرة وصراعات المناقصات واتخاذ القرار والمستفيد منه محتدمة.
ومشكلة الخدمات الصحية يتنازعها أصحاب المصالح من أطباء يفكرون مساء في مصالح عياداتهم ومستشفياتهم الخاصة ويملكون سلطة اتخاذ القرار في مكاتبهم الحكومية صباحاً! بينما تلغي وزارة الصحة مناقصات لشركات عالمية متخصصة لبناء أربعة مستشفيات جديدة في تصرف ينم عن فوضى إدارية عارمة واختراق مدمر لأصحاب النفوذ للجهاز الحكومي وتجيير كافة قراراته لمصالحهم، وفي قضية التعليم الأساسية للمجتمع فإن التيار الديني الأصولي مازال يجثم على صدر التعليم منذ تحالفه المشؤوم مع السلطة في منتصف سبعينيات القرن الماضي ويعيث تخريباً فيه، ولا يوجد تطور إيجابي في هذه القضية سوى القرار الذي وسع خطة البعثات الخارجية للطلبة الكويتيين الذي فتح لشبابنا مجالاً للهرب من أوضاعنا التعليمية المتردية.
الوضع في البلد لا يحتاج إلى استبيان بل بحاجة ماسة إلى قرار تاريخي بعملية إصلاح كبرى بوابتها الرئيسية تطبيق قوانين مكافحة الفساد وكشف الذمة المالية التي جمدت ولم تطبق على البرلمان الحالي رغم صدورها منذ فترة، والتي ستتصدى -لو طبقت- للصراعات المفتوحة في الكويت على كل شيء على المنصب والمناقصة وحتى الجاخور! لأن من سيصل للموقع وهو شفاف ونظيف وخالي الارتباط من أي مصالح له أو لجماعات يمت لها بسبب، هو من سيحرر القرار الحكومي من قيود المصالح، وبخلاف ذلك فإن الديرة ستظل تدور في حلقة مفرغة من المشاكل التي لن تحلها الاستفتاءات، وستتضخم حتى تنفجر… وحينها الله يستر من عواقب انفجارها!