كتاب سبر

هنري كيسنجر ومغالطاته حول تحليله للموقف الروسي المؤيد لنظام دمشق

من منا لا يعرف الثعلب الماكر الصهيوني هنري كيسنجر وزير الخارجية والمستشار الأمني للدولة الأمريكية، ومن منا لا يعرف الدور الشيطاني الذي لعبه في تمزيق وحدة العرب خلف الجيش المصري الذي حطم في العاشر من رمضان/أكتوبر خط بارليف الحصين، ولوى ذراع الجيش الصهيوني الذي لا يقهر، وأثبت للعالم أن جيش مصر عندما تتاح له فرصة قتال العدو الصهيوني فإنه سيقاتل ويحقق الانتصار عليه، وهذا ما حدث في حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، ومن المخجل أن جيش سورية العقائدي الذي شارك في تلك الحرب كان حاله بعكس حال الجيش المصري الذي انتصر وعبر قناة السويس وحطم خط بارلف، فقد هُزم الجيش العقائدي السوري متخلياً عن 34 قرية لم تحتلها إسرائيل في مرتفعات الجولان عام 1967، والذي أقدمت قيادته المتمثلة بالرئيس حافظ الأسد إلى عقد اتفاقية فك الاشتباك مع العدو الصهيوني عام 1974 التي تضمنت – في أحد أهم بنودها – أمن إسرائيل على حدودها الشمالية برعاية من هنري كيسنجر، لقاء إعادة مدينة القنيطرة المدمرة إلى سورية لتكون عنوان تغنت به القيادة السورية لعقود عن انتصارات وهمية حققها الجيش السوري العقائدي على إسرائيل وانتزاعه مدينة القنيطرة من العدو الصهيوني.
هنري كيسنجر خاض لعبة قذرة تمكن من خلالها جر مصر إلى عقد اتفاقية (كامب ديفيد) التي حيدت مصر من الصراع العربي الإسرائيلي عام 1979، وتم الاعتراف بالدولة العبرية وإلغاء حالة العداء بين إسرائيل ومصر، وإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، وتم رفع العلم الصهيوني في وسط القاهرة عاصمة أكبر دولة عربية، لتبدأ القطيعة بين الدول العربية ومصر وطرد الأخيرة من الجامعة العربية.
اليوم يظهر علينا هذا الصهيوني الحاقد هنري كيسنجر ليسوغ موقف روسيا المعادي للشعب السوري وثورته بقوله: 
“إن موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيال سوريا يعود إلى قلقه من تزايد دور الإسلام المتشدد، معتبرا أن الصراع في سوريا يتجاوز الموقف من الرئيس بشار الأسد ليصل إلى النزاع الطائفي بين السنة والشيعة”. هذا التوصيف من هذا الصهيوني الحاقد لموقف المجرم بوتين من الشعب السوري وثورته وجعله مبرراً ومسوغاً لما تقدمه موسكو من دعم عسكري متواصل للنظام السوري، وتقديم الحماية له في المحافل الدولية، وإفشال أي تحرك من المجتمع الدولي لوقف حمام الدم الذي يرتكبه هذا النظام السادي بحق المدنيين العزل، والذي كانت ذروته الهجوم الكيميائي على المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ في الحادي والعشرين من الشهر الماضي في الغوطة الشرقية، والتي راح ضحيتها ما يزيد على 1400 كان من بينهم 400 طفل وأكثر من مئتي امرأة.
موقف كيسنجر الحاقد واللئيم يؤكد لنا المؤامرة الكونية – ليس على النظام السوري كما يدعي النظام – بل على الشعب السوري المتحضر الذي عاش لقرون طويلة منذ فجر الإسلام وهو يضم بين جنباته ويحتضن بدفء الأقليات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، ويدافع عنها كما يدافع عن بنيه في كل الحروب التي عصفت في المنطقة ومن بينها الحروب الصليبية المتلاحقة والتي كانت فيه بعض هذه الأقليات تقف إلى جانب الغزاة أو محايدة إلى أن تم تحرير القدس وطرد الصليبيين من بلاد الشام، ولم يفكر المسلمون السنة ولو للحظة واحدة في الانتقام من هذه الأقليات التي اختارت الوقوف إلى جانب الغزاة، لقناعتها أن بناء الأوطان يقوم على التسامح لا على الثأر والأحقاد، وكذلك كان الحال عندما خاضت بلاد الشام معاركها مع التتار ودحرتهم في معركة (عين جالوت)، ولعل معارك الاستقلال التي خاضها الشعب السوري ضد المحتلين الفرنسيين في بداية القرن العشرين والتي شارك فيها المسلم إلى جانب المسيحي والعلوي إلى جانب الدرزي والسمعولي إلى جانب الشيعي لأكبر دليل على أن سورية بهذا الفسيفساء الإثني والديني القوي دحرت جيش الاحتلال وحققت الاستقلال، وعاش الكل في حب ووئام وتفاهم واحترام لسنوات بعد الاستقلال، حتى مجيء حزب البعث وتسلمه السلطة في دمشق غيلة وغدراً في الثامن من آذار 1963 لنسمع بوجود الطوائف والأديان والمذاهب في سورية، وتجلى ذلك وتأكد عند تسلم حافظ الأسد الحكم بعد انقضاضه على رفاقه في 16 تشرين الثاني 1970 وتوجيهه دفة الحكم والسلطة لتكون بيد طائفة لا تشكل أكثر من 8% حسب جداول الانتداب الفرنسي الذي كان يعمل على زرع الفرقة والتنافس بين مكونات الشعب السوري وتمزيق مجتمعه الوطني، وغدا الجيش الوطني والمخابرات وأجهزة الأمن السورية حكراً على الطائفة العلوية التي شكل الضباط الذين ينتمون إليها ما يزيد على 85% لقاء 15% لباقي الطوائف ومنهم المسلمون السنة الذين يشكلون 80% من عدد السكان في سورية.
مواقف كيسنجر، الذي تولى أيضا منصب مستشار الأمن القومي لبلاده ولا يزال يعتبر من بين الشخصيات الأكثر اطلاعا على خفايا الدبلوماسية الدولية جاءت في مقابلة، اعتبر فيها أن “موسكو اختارت توقيتا مثاليا من أجل تقديم مبادرتها حول السلاح الكيماوي”. وهذا الموقف لكيسنجر تجاه ما تقوم به موسكو يؤكد انحياز العالم إلى جانب سفاح دمشق ونمرودها.”
وأضاف كيسنجر في مغالطة مفضوحة في توصيفه للصراع الدائر اليوم في سورية والقائم على ثورة شعب ضد دكتاتورية وظلم حاكم متجبر، قائلاً: “القضية في سوريا هي صراع تاريخي بين السنة والشيعة” وهذا التوصيف إن دل على شيء فإنما يدل على جهل كيسنجر بحقيقة العلاقات الودية التي كانت قائمة في سورية بين كل مكوناته قبل احتلال الأسد لقصر المهاجرين وفرض نفسه بقوة الجزمة والبندقة حاكماً لدمشق. 
ويكرر كيسنجر توصيفه المغلوط لمواقف الأقليات الأخرى مدعياً أن “معظم الأقليات الباقية في البلاد تدعم العلويين” وهذا خطأ يدل على أن كيسنجر لم يطلع على مواقف باقي الأقليات المساندة للثورة، وقد تجرعت هذه الأقليات الحنظل من كأس النظام لأكثر من ثلاثين سنة، ونالت حظها في القتل والتصفية والاغتيال لأهم رجالها.
التوافق في الأفكار والتحليلات بين الصهيوني هنري كيسنجر والحاقد المجرم بوتين يجعلنا نقطع الشك باليقين ونؤكد على أن هناك مؤامرة تطبخ من تحت الطاولة بين الكبار لإطالة حرب التحرير في سورية، تهدف إلى المزيد من الدمار والخراب وشلالات الدماء، طالما أن الأمر لا يزال تحت سيطرة هذه الدول ولا يتعدى الحدود السورية أو يعكر أمن الدولة العبرية ومستوطنيها في الجولان!!