أقلامهم

مبارك الذروه: لا خصخصة في الإسلام ولا طبقة لرجال الدين ولا احتكار للصواب أو إلغاء للآخر المجتهد.

رواق الفكر / خصخصة الدين
د. مبارك الذروه
يقول ابن القيم رحمه الله:
«والله تعالى يحب الإنصاف بل هو أفضل حلية تحلى بها الرجل، خصوصا من نصب نفسه حكما بين الأقوال والمذاهب، وقد قال الله تعالى لرسوله (وأمرت لأعدل بينكم)..
فورثة الرسول منصبهم العدل بين الطوائف، وألا يميل احدهم مع قريبه وذوي مذهبه وطائفته ومتبوعه، بل يكون الحق مطلوبه، ويسير بسيره، وينزل بنزوله، يدين العدل والإنصاف، ويحكم الحجة….( اعلام الموقعين 95-94 /3)
لقد عاشت أوروبا في العصور الوسطى حياة الجهل والخرافة والقتل والتشريد والسجن والتعذيب..
عاشت قروناً من التيه والضياع بسبب خصخصة الدين وتجبر علمائها وتكبرهم عن الحق واحتكار رجاله لتفسير نصوصه المقدسة!
فلا مكان للاجتهاد عندهم لاحد من الناس، ولا حق لمخترع او مكتشف او رأي مستنير… كل طائفة تلعن أختها… وتفتي بمروقها وزندقتها.. 
فالدين الكهنوتي قد علب والنص المقدس دخل دائرة الخصخصة!، حتى ضج الناس وكرهوا الدين ونادوا بفصلها وانعزالها عن حياتهم…
*
بعث الرسول في الاسلام الواسع الفسيح للناس كافة…. جاء بالتصور العام عن الله والخلق وما وراء الطبيعة كالغيبيات والبرزخ واليوم الاخر..
ودعا الى التفكر والتعقل والتبصر… ومدح العلماء والفقهاء… وشجع الاجتهاد والنظر..وبارك الاكتشاف والاختراع! وقال انتم اعلم بشؤون دنياكم..
فعالم الدين في الإسلام ليس له سلطة على الناس سوى سلطة الدعوة والإرشاد والتذكير..!
ولا خصخصة في الاسلام.. ولا طبقة لرجال الدين…. ولا احتكار للصواب… او إلغاء للآخر المجتهد…
المبادئ العامة للإسلام… والمرجعية لله ورسوله… والأعراف والعادات وظروف الناس معتبرة…
اما حين يعلب الفهم للإسلام ويصبح القول الحق كل الحق عند الفئة تلك او الشيخ ذاك…او يحتكر تفسير نصوصه أو يزعم من يزعم ان الحق وحده معه وما سواه باطل وضلال فهذا يعني ان عالم الدين او من تقلد منصبه قد تولى سلطة الامة، وتجاوز صلاحيات الدعوة والتذكير، وزعم العصمة لنفسه دون ان يشعر.. فلا يجوز اصدار الاحكام على الناس، أو رميهم بما يخالف مذهبه او ما يظنه صوابا…فهذا شأن السلطان والقضاء وكبار العلماء… ومن أهدر ذلك كله فقد شابه الفهم الكهنوتي في عصور التخلف الوسطى..!
*
ان الانشغال بتصنيف الناس من المصائب التي عانى منها الناس قديما وحديثا، وما نشاهده اليوم في وسائل الاعلام وساحات الحوار من تصنيف ديني وسياسي واجتماعي ما هو الا دليل واضح عن حالات الفراغ الفكري والجوع الثقافي الذي يحاول البعض إشباعه بالتفلسف النقدي والترف الكلامي..
وانه لمن المحزن ان ينشغل من ينتسبون الى العلم بتلك المهاترات تحت ذريعة الدعوة والنهي عن المنكر ونسوا وصية ابو سنان الأسدي رحمه الله (اذا كان طالب العلم قبل ان يتعلم مسألة في الدين يتعلم الوقيعة في الناس؛ متى يفلح؟!).
*
على الحكومة ان توقف هذا العبث الديني او السياسي القائم على تصنيف الناس او تكفيرهم او إخراجهم من دينهم وملتهم.. وإعادة تأهيل هؤلاء الشباب المتفيقهين والمتنطعين فقهيا وثقافيا… 
وعلي الحكومة ان تحاسب من يدعو او يحرض على الكراهية والعنف او يشجع الاستخفاف والسخرية على شريحة او فئة من فئات المجتمع… والدعوة الى ان كل ذلك انما يكون من اختصاص السلطات القضائية في الدولة…