آراؤهم

مسرات وأوجاع

 مسرات وأوجاع 
عبدالكريم مرزوق
يعيش الإنسان في هذه الحياة باحثا عن السعادة، طالبا ودها، منقبا عنها حيثما وجدت، فمن الناس من يراها بالمال وهم كثر، ومنهم من يراها بالجاه والسلطان، وآخرون يرونها بالغرق في الملذات والنهل من الشهوات، وهكذا إلى آخر الأهواء والميول.  
السعادة  مصطلح اختلف فيه ولم يتفق عليه أحد، ولو سألت شخصين متفقين  دينا وفكرا وثقافة لاختلفا في تحديد مفهومه! 
ولكن إذا نظرنا جليا في مهمة الإنسان في هذه الدنيا لوجدنا أنها تتضح في عبادة الله- سبحانه وتعالى- ” وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون”، فالمطلب الأساس هو العبادة، وأعتقد أنها المدخل الرئيس للسعادة، والولوج إليها يمر عبر بوابة التقوى التي عرفها الإمام علي- رضي الله عنه- فقال: ” التقوى: الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل”. 
ونجد الشاعر المخضرم  الحطيئة يرى ذلك، فيقول:
ولست أرى السّعادة جمع مال و لكنّ التقيّ هوالسّعيدُ
و تقوى الله خير الزّاد ذخراً و عند الله للأتقى مزيد
وهذا وارد أيضا في قول أحد السلف: ” لو يعلم أبناء الملوك مافي قلوبنا من السعادة لجالدونا عليها بالسيوف”. 
من أين استقى ذلك الشعور؟ 
لاشك أنه استقاه من قربه من ربه وعيشه في ظلال الرحمن، وكل ذلك ناشئ من الأمن الروحي والاطمئنان النفسي الناتج من علاقتهم بالله – عز وجل- ، فهم معتصمون بحبل الله لايخافون أحدا سواه، إذ يعيشون معه كل دقيقة بل كل ثانية. 
وبالرغم من ذلك فإن الإنسان يمر بساعات صعود وهبوط، ومسرات وأوجاع، وهكذا هي الدنيا تتقلب ولاتثبت على حال، لاسيما ونحن نعيش عالم السرعة الذي لايدع للإنسان فرصة لالتقاط أنفاسه، أو التفكير بهدوء وروية، فهو عالم يساهم مساهمة شديدة في سرقة اللحظات الجميلة من حياتنا. 
وما يهمنا هو تحديد الأولويات، وحينها تبنى الحياة على أسس متينة وقواعد راسخة، وأهم قاعدة علاقة العبد بربه، فمتى كانت قوية يعش العبد بسعادة وهناء، ويستطع التغلب على الأوجاع مهما بلغ مداها. 
ولايمنع ذلك التنافس في الخير، والسعي في طلب الرزق، والجد والاجتهاد لتحقيق ما يصبو إليه الفرد من الحياة الراقية، والعيش الرغيد. 
كن سعيدا بقربك من ربك، وتذكر قول نبينا- صلى الله عليه وسلم-: ” من بات آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها”. 
@kareemmarzouq