أقلامهم

حسن العيسى: قادة الخليج تنتابهم الوساوس بتخلي الحارس الأميركي عن دور حراسة مصالح دول الخليج.

أين نحن وأين إيران؟ 
كتب المقال: حسن العيسى
بعد تبادل تحيتي “Have a nice day” و”Khodahafez” بالتلفون بين الرئيسين أوباما وحسن روحاني، لابد أن يشعر قادة دول الخليج بالامتعاض مما يبدو كبداية للتفاهم بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة، فقادة دول مجلس التعاون تنتابهم وساوس القلق بتخلي الحارس الأميركي عن دور حراسة مصالح دول الخليج العربية في أسوأ الأحوال، أو، في أضعف الإيمان، إهمال أولويات تلك الدول في ما يخص الانتصار للمقاومة السورية ضد نظام بشار من ناحية، وتحديداً بعد تخلي أوباما عن ضرب النظام السوري كما حلمت أنظمتنا الخليجية، أو، من ناحية أخرى، يكمن القلق الخليجي السني في وقوف الولايات المتحدة على الحياد التام في حروب الفتنة الكبرى المشتعلة من سورية والعراق إلى لبنان إلى بقية دول القبليات الطائفية في الشرق العربي.
 من المبكر القول بأن جبل الجليد بين الدولتين الأميركية والإيرانية بدأ بالذوبان، فهناك إسرائيل وهمّها الكبير مع إيران، وهو غير محصور في المفاعل النووي الإيراني فقط، بل في مفاعلات المقاومة لـ”حزب الله”، ودعم إيران القوي لـ”حماس”، وهناك عقبات كبرى تقف في طريق المصالحة الإيرانية- الأميركية، ليس أولاها قوى الضغط المحافظة في أميركا، ولا آخرتها القوى الشديدة المحافظة والكراهية للولايات المتحدة في إيران، وهي لا تتحدد برجال الدين المتشددين المحيطين بحلقة مرشد الثورة خامنئي، بل تمتد إلى أجهزة مخابراتية وعسكرية تحيا وتنتعش على الصراع الإيراني- الأميركي، وتحمل في عقلها الباطن عقدة أبدية نحو أميركا وُلِدت مع مؤامرة الانقلاب على حكومة مصدق الوطنية عام 53 بقيادة ضابط المخابرات كريمت روزفلت.
 ومثلما كان للأميركان مخلب “روزفلت” الذي أدمى الأمة الإيرانية وأعاد نظام الشاة، فإيران لديها “روزفلتها” القوي واسمه قاسم سليماني، وهو قائد قوة القدس الذي يعد ذراع إيران القوية في الخارج وأيضاً في الداخل، قوة القدس تماثل سطوة ميليشيا الباسيج إن لم تكن أكثر. 
حكاية سليماني “الشهيد الحي”، كما يسميه مرشد الثورة، أغرب من الخيال، كما فصلتها مجلة “نيويوركر” الرصينة في مقال طويل بعنوان “ظل القائد”، هذا الظل (سليماني) ابن المزارع الإيراني الذي تجرع كؤوس الفقر والحاجة في عهد الشاه، صعد نجمه سريعاً بعد الثورة وفي الحرب العراقية- الإيرانية، وحشد آلاف الشباب الإيرانيين ليندفعوا إلى حقول الألغام العراقية، وهو الرجل الذي يقال إنه خطط لضرب “المارينز” عام 82 في بيروت، ووقف بعد ذلك بقوة لخلق “حزب الله” في لبنان، ولم يقتصر دوره على ضرب الأميركيين ومصالحهم، بل مد إليهم يد العون أحياناً أخرى، عندما تلاقت مصالح الدولتين لضرب “طالبان” بعد 11 سبتمبر، وزود الأميركان بخرائط تواجد قوات “طالبان” بالتفصيل، وفي لبنان هناك تساؤل عن دوره المخابراتي في تفجير موكب رئيس الوزراء الحريري، فقد كشفت لجنة التحقيق عن عدة مخابرات تلفونية بين أربعة أعضاء من “حزب الله” مع أجهزة مخابرات إيرانية يعتقد أنها كانت مع سليماني قبل وبعد التفجير. 
وسليماني هو الشخص القوي الذي رتب البيت العراقي الشيعي بعد الغزو الأميركي، فوضع حدوداً لمقتدى الصدر، ولعبت مليشيات تأتمر بأمره لعبة وضع المتفجرات في طرق القوافل العسكرية الأميركية، وأقنع النظام السوري بفتح أبواب سورية لجماعات “القاعدة” لضرب الأميركان في العراق، وفرض، في ما بعد، المالكي لرئاسة الوزراء بعد أن خذل الأميركان علاوي كصديق لهم، وهو الذي دفع بقواته مع قوات “حزب الله” إلى ضرب المقاومة السورية والاستيلاء على بلدة القصير الاستراتيجية في سورية، لقطع طريق الإمدادات على المقاومة السورية.
 هناك الكثير لا مكان لعرضه في هذا المقال عن دهاء سليماني المخابراتي لخدمة وطنه ومصالح أمته من منظور الحكم هناك، لكن الذي يهم الآن، أن ندرك أن لإيران أكثر من سليماني في عوالم المخابرات وترتيب مصالحها الاستراتيجية، وأن القيادة الإيرانية رغم الحصار الاقتصادي أبدت حنكة وذكاء رهيبين في لعبة السياسة مؤكدة حكمة رئيس وزراء بريطانيا في أواخر القرن التاسع عشر في السياسة بأنه “لا يوجد أصدقاء ولا أعداء دائمون بل مصالح دائمة”، وتكاد إيران أن تقف اليوم نداً للند مع أقوى دولة في العالم، بينما الجماعة في الخليج نراهم يحيون على البركة، في الأغلب، كما أن دبلوماسية الدينار، في أحايين أخرى، محدودة بضرب حركات التغيير في العالم العربي وإجهاضها في مهدها، وشطارة رجال أمنهم مقيدة بـ “زيد” من الناس الذي تجاوز الحد في “تويتر” أو نسي نفسه في “فيسبوك”…. أين نحن وأين هم؟!