أقلامهم

عبدالحميد الأنصاري: بعد ثورة 30 يونيو، نجد تحولاً سلبياً لدى قطاع عريض من النخب السياسية من الثورة السورية.

الموقف المصري السلبي من الثورة السورية… ما تفسيره؟! 
كتب المقال: د. عبدالحميد الأنصاري
المطلع على الساحة الإعلامية في مصر، فضائيات وصحفاً، بعد ثورة 30 يونيو وتوابعها وتداعياتها، يجد تحولاً سلبياً لدى قطاع عريض من الشعب والنخب السياسية والفكرية من الثورة السورية، برزت هذه المواقف بشكل صارخ عقب تهديد الإدارة الأميركية بتوجيه ضربة عسكرية للنظام السوري إثر تعديه الخطوط الحمراء التي رسمتها واشنطن باستخدام السلاح الكيماوي في قصف الغوطة، بناءً على تقارير دولية أكدت مسؤولية النظام عن هذه الجريمة التي تعد من الجرائم ضد الإنسانية.
 تابعت على امتداد الأسابيع المنصرمة، قنوات مصرية استضافت خبراء عسكريين كباراً ومحللين سياسيين بارزين، هيمنت على تحليلاتهم فكرة محورية تقوم على أن ضرب سورية جزء من مخطط أميركي إسرائيلي لإضعاف الجيش العربي السوري وإخراجه من معادلة الصراع، وتقسيم سورية طائفياً تماماً كما حصل في غزو العراق قبل 10 سنوات الذي استهدف تفكيك الجيش العراقي، وكانت الحجة نفسها تدمير أسلحة الدمار الشامل، وكل ذلك لضمان أمن إسرائيل، بل ذهب بعض التحليلات إلى مدى أبعد ليؤكد أن الدور القادم سيكون على الجيش المصري بعد الانتهاء من ضرب الجيش السوري، معللاً ذلك بأن الجيش المصري تحدى الضغوط الأميركية والغربية وقام بدوره الوطني وحمى الشعب وأنهى حكم الإخوان!
لم أجد لدى هؤلاء المحللين والخبراء أي انشغال بأهمية أو ضرورة دعم الشعب السوري وتضحياته غير المسبوقة تاريخياً في سبيل نيل حريته وكرامته وحقوقه المسلوبة، بل حاول البعض تشويه الثورة بترديد اتهامات لا سند لها غير مصادر النظام السوري، مصوراً ثورة الشعب السوري بأنها صراع بين النظام وجماعات متطرفة مسلحة مرتبطة بالخارج وممولة من دول الخليج! وتمادى آخرون ليرددوا اتهامات روسيا للمعارضة بالمسؤولية عن الجريمة النكراء ضد الإنسانية!
 التساؤلات المطروحة: ما أسباب هذا التحول؟! وما تفسير هذا التغير؟! ولماذا لا يساند من قام بأكبر ثورة شعبية ثورة شعب شقيق يعاني الويلات من نظامه؟! أتصور أن المجتمع المصري ونخبه، بعد محنتهم العابرة مع الحكم الإخواني وما أعقب إزاحتهم من أعمال عنف وإرهاب وترويع وحرق وتدمير وسقوط المئات من الضحايا من الأمن والأهالي والإخوان، وصل إلى مرحلة أو منعطف بالغ الحساسية، وأصبح يتوجس من الإخوان ومن يساندهم، أصبح منطق “رد الفعل” تجاه كل ما أو من يمت إلى الإخوان أو يتعاطف معهم من شخصيات أو تنظيمات أو حكومات، هو المنطق الحاكم.
 أغلبية المصريين اليوم كارهة للإخوان ومن يساندهم من دول أو قنوات فضائية، لدرجة أن الدكتور البرادعي الذي شغل منصب نائب الرئيس وحاول جاهداً إيجاد مخرج سياسي لفض اعتصامي الإخوان، صرح قبل استقالته بأن “المزاج المصري العام هو سحق الإخوان”.
 إن منطق رد الفعل المضاد بكل ما هو إخواني أو ينتمي إلى فكر الإسلام السياسي هو المنطق العام المهيمن على أغلبية الجماهير المصرية، وتجد النخب السياسية والفكرية والإعلامية، نفسها، محكومة بإرادة الرأي العام أو المزاج الشعبي العام في تحليلاتها ومواقفها وتصريحاتها.
 ورغم أن الحكم الانتقالي يحاول، جاهداً، موازنة الأمور وضبط الاندفاع الشعبي وترشيده وعدم الانسياق العاطفي وراء كل المطالب الشعبية، رعاية للمصالح الوطنية العليا، فإن الحكومة المصرية تتعرض لانتقادات شديدة وتوصف بحكومة “الأيدي المرتعشة” لأن المصريين الذين أعطوا تفويضاً عاماً للسيسي بالحسم، يريدون قرارات باتة وسريعة، ضاقوا وسئموا من هذه الجماعات التي تنغص عليهم حياتهم ومعيشتهم: تقطع السبل وتهدد أمنهم وتروعهم، يريدون حكومة حازمة غير مترددة تواجه من هددوا ورددوا شعار “هنفجر مصر”.
 وفي استطلاع أخير أجراه المركز المصري لبحوث الرأي العام “بصيرة” قال 69% إنهم مع إقصاء الإخوان من الحياة السياسية، وأصبح من يتعاطف مع الإخوان أو ينتقد القوات المسلحة أو الرمز “السيسي” مشكوكاً في وطنيته!
نستطيع أن نرصد منطق “رد الفعل” في العديد من المواقف والمطالب الشعبية ضد الإخوان ومن يناصرهم في الداخل والخارج، من أبرزها:
1- حملة “امنع معونة” المطالبة بمنع تلقي المعونة الأميركية لمصر وقد جمعت أكثر من نصف مليون توقيع خلال شهرين، بسبب ما يسود لدى الرأي العام المصري من انحياز أميركي للإخوان وممارسة ضغوط أميركية على القيادة السياسية والجيش المصري وصلت لدرجة التهديد بقطع المساعدات.
2- المطالبة بأن تعلن مصر توجهها شرقاً، لتطوير علاقاتها مع روسيا والصين، وهنا نجد كثيراً من المرحبين بهذا التوجه، يذكرون المصريين بالمواقف التاريخية للصديقة المخلصة لمصر في أوقات الشدة سواءً في بناء السد العالي أو المشاريع الكبيرة أيام عبدالناصر وبناء المصانع الحربية وإقامة قاعدة صناعية، أو في أوقات الحروب التي مرت بها مصر، وهي روسيا، وكل ذلك نكاية بأميركا حتى تراجع نفسها وتكف عن ممارسة ضغوطها.
3- الضغط المجتمعي الشديد المطالب بقطع العلاقات مع تركيا، فقد “لفظ” الشعب المصري أردوغان وموقفه، وهي كلمة أشد وقعاً من “رفض” طبقاً لما صرح به وزير الخارجية المصري لأن أردوغان وقف موقفاً عدائياً ضد الشعب المصري وشيخ الأزهر وليس ضد الحكومة فحسب.
4- رفض “المصالحة” مع الإخوان لدرجة أن المستشارة تهاني الجبالي اعتبرت المصالحة “خيانة” والشعار المرفوع اليوم في مصر “لا تصالح”.
5- تصور وجود مشروع أميركي تركي لإعادة الإخوان للحكم مرة أخرى، وهو تصور شائع لدى الكثيرين، وذلك ضمن مخطط استراتيجي لإعادة ترتيبات الشرق الأوسط وفق الرؤية الأميركية التركية لنشر مظلة الإسلام السياسي في المنطقة، طبقاً للكاتبة المصرية د. ثناء عبدالله.
ختاماً: من هذا المنطلق، إذا أدركنا أن منطق “رد الفعل” هو الذي يحرك مواقف قطاع شعبي كبير وجانباً من النخب المصرية، استطعنا تفسير الموقف المصري السلبي من الثورة السورية مقارنة بالموقف الخليجي الإيجابي منها، يضاف إلى ذلك: ما نسب إلى مواطنين سوريين من مشاركتهم في أعمال عنف أمام دار الحرس الجمهوري وفي منطقة رابعة العدوية، وإلى اعتقاد الكثيرين أن الذي سيخلف النظام السوري بعد سقوطه، هم “إخوان سورية” اتضحت الصورة كاملة.
 لكن يبقى أن نقول: “ولا تزر وازرة وزر أخرى”، وجريرة بعض السوريين لا تبرر تعميمها، ولا يجوز أن ندع لجماعة أن تفسد بحماقاتها، مشاعر ترسخت عبر قرون بين الشعبين المصري والسوري، والسوريون في مصر إنما هم بين أهاليهم وفي بيوتهم، فمصر بيت العرب الجامع، كما أن الإخوان ليسوا سواء، و”إخوان سورية” غير “إخوان مصر” كما قال د.محمد الرميحي في مقالته القيمة “إخوان… وإخوان”.