أقلامهم

ناصر المطيري: الإنسان موقف والرجولة كلمة قد تنطق بها «أنثى» بينما يعجز عن نطقها أنصاف الرجال.

خارج التغطية
نصف الحياة
ناصر المطيري
كلمات ثمينة تحمل الحكمة والتبصر العميقين بعنوان «نصف الحياة» كتبها الأديب المعروف جبران خليل جبران وهو يشخص من خلال كلماته البليغة حالة انسانية يعيشها الكثيرون تجعلهم بنصف حياة ونصف موقف ونصف حقيقة ونصف وجود، وربما نصف وطن.. أناس يعيشون في المنطقة الرمادية في منتصف الطريق يصلون ولايصلون، فينصحنا بعدم الاقتراب منهم أو مجالستهم.. فيقول جبران في رائعته: «لا تجالس أنصاف العشاق، ولا تصادق أنصاف الأصدقاء، لا تقرأ لأنصاف الموهوبين، لا تعش نصف حياة، ولا تمت نصف موت، لا تختر نصف حل، ولا تقف في منتصف الحقيقة، لا تحلم نصف حلم، ولا تتعلق بنصف أمل، إذا صمت.. فاصمت حتى النهاية، واذا تكلمت.. فتكلّم حتى النهاية، لا تصمت كي تتكلم، ولا تتكلم كي تصمت.. إذا رضيت فعبّر عن رضاك، لا تصطنع نصف رضا، وإذا رفضت.. فعبّر عن رفضك، لأن نصف الرفض قبول.. النصف هو حياة لم تعشها، وهو كلمة لم تقلها، وهو ابتسامة أجلتها، وهو حب لم تصل إليه، وهو صداقة لم تعرفها.. النصف هو ما يجعلك غريباً عن أقرب الناس إليك، وهو ما يجعل أقرب الناس إليك غرباء عنك، النصف هو أن تصل وألا تصل، أن تعمل وألا تعمل، أن تغيب وأن تحضر .. النصف هو أنت، عندما لا تكون أنت.. لأنك لم تعرف من أنت.. 
نصف شربة لن تروي ظمأك، ونصف وجبة لن تشبع جوعك، نصف طريق لن يوصلك إلى أي مكان، ونصف فكرة لن تعطي لك نتيجة.. النصف هو لحظة عجزك وأنت لست بعاجز.. لأنك لست نصف انسان. أنت انسان.. وجدت كي تعيش الحياة، وليس كي تعيش نصف حياة.
هذه الكلمات التي سطرها جبران كما الدر المنظوم توقفت عندها طويلا مستلهماً منها العبرة وأقرأ فيها كل الحقيقة وليس نصفها، وجدتها تعبر عن واقع انساني يؤكد أن أغلبنا اليوم يعيش نصف حياة، لأننا تنازلنا عن النصف الآخر ربما بارادتنا أو غالبا رغما عنا .. لأن نصف الخوف فينا ابتلع نصف الشجاعة، فمارسنا نصف الصدق ونصف النفاق.
الحياة الحقيقية لاتقبل القسمة على نصفين، و«المواقف» لايمكن تجزئتها لأن الانسان لايمكن أن يعيش بنصف ضمير إلا إذا كان نصف إنسان .. والإنسان موقف والرجولة كلمة قد تنطق بها «أنثى» بينما يعجز عن نطقها أنصاف الرجال.