كتاب سبر

لنعترف أولًا.. بفشلنا

عندما تعترف بأنك فشلت في عمل ما فهذا بحد ذاته شجاعه لكي تقوم بتصويب مسارك مجددًا، ولكن أن تستمر بفشلك وتعتقد بعبقريتك وبأنك في الطريق الصحيح فهذه كارثة عظيمة.. وعناد لن يؤدي إلا للفشل الذي يجر فشلًا آخرًا إلى ما لا نهاية، وعندها يصبح طريقك لتصحيح الأوضاع صعبًا جدًا، إذا لم يكن مستحيلًا، فالفشل الذي نعيشه وتعايشنا معه سنوات طويلة، واستمرت به أغلب الحكومات السابقة، ابتدأ من بداية حقبة الثمانينيات إلى الآن، هو أساس مصائبنا إن لم نقل كوارثنا، والتي توجّت هذا الفشل  للنهاية المأساوية التي اختتمت بالغزو العراقي الآثم، والذي معه تكشّفت كل الأوراق، ابتداءً من إدارة الدولة للازمة، وانتهاءً بضعف الكفاءة الوطنية التي لا تساعد على النهوض مجددًا لبلد سقط خلال ثمان وأربعون ساعة.
لقد كان العصر الذهبي للكويت الحديثة هي الحقبة الممتدة من بداية الستينيات إلى نهاية السبعينيات من القرن الماضي، يعني عشرين سنة فقط.. وما عدا ذلك فهو (كيف أنت وكيف حالك)، فالمركب سماري من يومها ولازال علي بركة الله السميع العليم، إذن لماذا المكابرة واللف والدوران واغلب المفكرين والسياسيين والكتّاب يعلمون جيدًا بأحوالنا المتردية والذي ساهموا في زيادة ترديه في الركون لمصالحهم، وكله تمام يا أفندم بدلًا من المساهمة الفعالة في دعم أصحاب القرار بالرأي والمشورة الصادقة، بدلًا من المهادنة والتزلّف. 
   
لقد ضاعت وتاهت بلدنا في دهاليز الصراع من أجل المصالح والمال، مما ساعد على بروز نظرية تزاوج السلطة والمال، والذي هو في الحقيقة سبب كل مشاكلنا ومصائبنا، فبدلًا من ان يكون النفط ومداخيله الفائضة عن حاجتنا نعمة لنا لتشطيب كل المشاريع التنموية التي تعود بالخير على الشعب، أصبح نقمة حوّلت حياتنا إلى صراع طبقي بغيض وجد الأرضية الخصبة التي استفادت من تغذيته ورعايته عصابات مختلفة من أبناء جلدتنا، لا تفكّر إلا بما يخدم مصالحها الذاتية فقط وتنمية ثرواتها وأرصدتها في بنوك الشرق والغرب.. وإلا كيف نفسّر ثروة أحد تجار الكويت التقليديين في سنة 1994 لا تتعدي 300 مليون، لتصل بقدرة قادر ثروة ابناءه خلال عشر سنوات إلي سبعة مليارات وهم لم يخترعوا أجهزة الآيفون مثلًا، وغيره الكثير مما يذهل وعلى سبيل المثال لا الحصر، ما ذكر في الصحف قبل أيام عن وجود 840 شخصًا في الكويت، وأكررها “شخص” وليست أسرة تبلغ مجموع ثرواتها 140 مليار دولار.. إذن عندما تعرف السبب يبطل العجب.
لقد فشلنا في استثمار ما بدأه الرواد الأوائل، سواءً من شيوخ أو من تجار وحتى مواطنين بسطاء كانوا في قمة الإخلاص وإنكار الذات، مما أهلهم لبناء دولة فتية يشار لها بالبنان آنذاك، مما أهلهم لبناء الأساسات الجيدة والتي لا زلنا نرى أطلالها بحسرة مع كل الأسف، لنعترف اولًا بأننا فشلنا.. فهذا ليس عيب بل العيب هو المكابرة والاستمرار بالتخبّط الذي قاد البلد للمراوحة في نفس المستنقع، إن لم نكن غصنا فيه إلى حد يصعب الخروج منه، إلا بزلزال آخر كما حصل سنة تسعين حفظنا الله منه ومن توابعه، لقد أضعنا سنوات طويلة في الجدال وكيفية الخروج من المشاكل ولكننا دائمًا نتبع سياسة النعامة، ونخدع  أنفسنا بالترقيع تارة وبالترميم تارة أخرى، ومعها تزداد بلادنا كهولة وعجزًا انعكس على كل حياتنا.. مما انعكس بالإحباط علي أجيالنا المسكينة، قد يظن الكثيرين بأننا متشائمون، ولكن هل يجد من يظن ذلك سببًا واحدًا للتفاؤل.. أتمني ذلك. 
قال تعالي في محكم كتابه: “إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ”.. {الرعد:1}، فدعونا نبدأ بأنفسنا وفي بيوتنا وفي مدارسنا وهي الأساس لنرى هذا التغيير بعد سنوات سوف يكون أمرًا واقعًا، أعلم إنني أحلم ولكنه الواقع كما ذكرت في مقال سابق عن التعليم إنه حجر الأساس، فتعليم أبناءنا علي القيام والجلوس والأمر والنهي والحشو والغش والخوف دائمًا لن يخلق لنا الجيل الموعود الذي سينهض بالكويت، بل ثورة علمية شاملة تقلب موازين التخلّف الذي نعيشه الآن، وحرية فكر وتطبيق القانون المستند لقضاء شريف وعفيف ومستغل، أما غير ذلك فمضيعة للجهد والمال.
اللهم أني بلغت. اللهم فاشهد.  
 
بقلم.. سلطان المهنا العدواني