أقلامهم

حسن العيسى عن المقاهي: الزمن يقف في الجهراء، والتاريخ يعيد نفسه بملهاة من بعد ملهاة، وليس بمأساة تعيد نفسها كملهاة.

ثورة ربيع «القهاوي» 
كتب المقال: حسن العيسى
لا يهم أن يعتصم عدد من المواطنين في الجهراء القديمة ليعلنوا الحرب الدينية على المقاهي هناك بذريعة أنها تشيع الفاحشة والدعارة وتنتهك شرع الله الذي يتم تكييفه بما يناسب اجتهادهم وفقههم المنغلق، وحقهم أن يقولوا ما يشاؤون عن تلك المطاعم أو المقاهي “المختلطة” التي تثير حفيظتهم، حيث يختلط فيها الزوج مع زوجته أو قريبته على طاولة الطعام، أو ان تستفز مشاعر المعتصمين لمجرد أن بعض رواد تلك المقاهي يدخنون الشيشة، وهنا يذكروننا بمزاعم الإخوان قبيل موقعة الجهراء -صدفة المكان التاريخية- في بداية عشرينيات القرن الماضي، واتهامهم أهل الكويت بالكفر لأنهم يدخنون السجائر، فيبدو أن الزمن يقف في الجهراء، والتاريخ يعيد نفسه بملهاة من بعد ملهاة، وليس بمأساة تعيد نفسها كملهاة كما قال ماركس.
وأيضاً ليس من المهم أن يلتم شمل عدد من المتكلمين من أعضاء مجلس التابعين ليوم الدين في الاعتصام مرتدين بدل المحاربين المدافعين عن الدين والعادات المظلومة، ويهددوا الحكومة بالمساءلة السياسية، ويضرب المناضل النائب عسكر العنزي أجلاً لوزير الداخلية أو لرئيس الحكومة لإغلاق كل المطاعم المختلطة في كل أرجاء الدولة الكويتية، لاحظوا أن تحذير هذا النائب بتاريخه الموالي الأبدي للسلطة يشمل الولايات المتحدة الكويتية بكل مقاطعاتها وليس مقاطعة الجهراء فقط. فمن حق هذا النائب ومن حق رفاقه، كذلك، من نواب الموالاة أن يبحثوا لهم عن مكان يثيروا فيه معاركهم الشعبوية ضد الحكومة، عل وعسى أن تخف عنهم وطأة الاتهام بالمولاة للسلطة، ويكسبوا بعض العطف من الغاضبين على غياب الشرعية الدستورية عن هذا المجلس.
وكذلك قد نتقبل بمضض أن يصطف مع الأبناء البررة للسلطة بعض رموز المعارضة المحافظة من سلف أو إخوان حين وحدهم هدف كسب التعاطف المحافظ في دولة ومنطقة تجرى فيها سباقات محمومة على أرض المزايدات الدينية والمحافظة بعد تغييب الشرعيات الديمقراطية والتنمية الحقيقية القائمة على الإنسان ووعيه الحضاري.
لا يهم كل ما سبق في التعبير الحر عن ثورة الأخلاق الكبرى بعد أن رسمت تخومها في المطاعم و”القهاوي”، بعد أن كسب المحافظون أرضها في التعليم العالي، وامتدت انتصاراتهم لكل معالم هذه الدولة السائرة بحفظ الله ورعايته نحو الرمز الطالباني سابقاً أو دويلة الشباب الإسلامي في أجزاء مفتتة في الصومال أو ليبيا أو سورية السائرة بهذا الطريق المرعب. ما يهم آخر الأمر هو موقف السلطة اليوم من “تحديات” ربعها وبعض القلة من جماعات المعارضة. فما يثير الريبة أن السلطة شمرت عن سواعدها وبعصي وقنابل القوات الخاصة لتأديب البدون في اعتصاماتهم السلمية، بينما وقفت على “الحياد” متفرجة على اعتصامات “القهاوي”، كأنها تقول لهم “اشغلوا أنفسكم” بتلك الحروب الجانبية، ودعونا نرتب البيت الكويتي كيفما نريد دون معارضة واعية لا تنبش في الهم الكويتي الكبير، فلكم همكم في مطاعم الاختلاط، ولنا فرحتنا الكبرى بضياع الأولويات الوطنية.