أقلامهم

خلود الخميس: كل ما تفعله الدولة يدخل في خانة «الترهيب» لفرض المواطنة!

حكاية في كل بيت (1)
بقلم: خلود الخميس
كانت أمّ صغيرة في السن، لم تتعد عقدها الثاني، رزقها الله بأطفال، ثم انفصلت عن أبيهم ليبدأ أهم فصل في حياتها، ولم يخطر ببالها أنه سيكون الأكثر دراماتيكية، وسيستمر لبقية عمرها.
قبل الدخول في تفاصيل حكاية اليوم: ما هو العقد الثاني بالنسبة لأي فتاة؟
إنه المرح، الفرح، السعادة، تطلع لمستقبل لامع، تخرج في الجامعة، بداية عمل وطريق مهني، رفيق درب مثل فرسان أحلام الأفلام، لنقل إنه الإقبال بكل أفكاره وسلوكياته، فماذا وجدتْ؟ وجدت الإدبار والأفول.
كان بين واقعها وكل توقعات ابنة العشرين حجاباً حاجزاً زجاجياً، تراها ولا تلمسها، ولبثتْ رهينة الطلاق والأطفال والمسؤوليات الجمة التي صُبت فوق كتفيها الغضّين، من مهام نفسية، مادية واجتماعية.
المهام النفسية، هي واجبها تجاه تربية أطفال كأم وكأب معاً، في مجتمع يجرمها ويبرئ الأب، بإطلاق، فكان عليها منحهم لين المرأة، وإبداء حزم الرجل، بلا خلل وارتباك وتداخل في المهام، فهل كانت تلك رحلة بحرية ممتعة؟! لا، لقد كان عملاً منهكاً بلا عطلات.
أما المهام المادية، فكفالتها لمعيشة أبنائها بالعمل الدؤوب، وكل مطلقة تعرف أن «أسطورة» الحصول على نفقة للأبناء من أبيهم عبر المحاكم موجودة في القوانين فقط، بلونها الوردي، بينما الأروقة لا تجد فيها إلا عرقا يتصبب من جسد يلهث خلف دراهم معدودة، لا تغني من شيء، وهذا جدل لن ينتهي مادام هناك أب يطلق عياله حال طلاق أمهم، وما استمرت الدولة ترعى استبداده، وما سنده المحامون بتطويع ثغرات القانون ليتغول طرف على آخر فقط لأنه يمتلك ثمن الفاتورة.
والمهام الاجتماعية، أن تحتمل هراءات العادات في التعامل مع المطلقة، في كل مكان، أو مواجهتها بنزاعات مستمرة بأن تقوم بدور دفاعي مدى الحياة، وهذا، بالطبع، مستحيل، فآثرت الانتقام منه بالانتصار عليه، بهزيمته بالعلم والدأب والنجاح، بدحره بالتفوق والتميز، ولكن جودة حياكة الأشرعة لا يعني دائماً وبالضرورة ألا تتشقق بوجه الرياح والموج العاتي، وتغرق أكبر سفينة.
انحرف أحد الأبناء، كان طفلاً صعباً من فترة الحمل، ونشأ بشق النفس، حتى إنها كانت تنتظر عند باب المدرسة حتى إذا اتصلوا بها، كالعادة، لأنه تسبب بمشكلة، أو لأنه غير متأقلم مع بيئة الدراسة، تكون قريبة، وهذا رغم صعوبته، بل استحالته على الإنسان العادي، لم يؤثر سلباً على تطورها الوظيفي، فقد كانت تعطي عملها من وقت راحتها وإجازاتها لتتقدم، ذلك هو التحدي الذي اخذته على عاتقها لتكون انموذجاً لأسرتها الفاقدة للنصف الثاني من منظومة القدوة، الأب.
لم تكن لها سوى يدين، تمسك بهذا الولد بواحدة، وبقية عيالها وأطراف حياتها بالأخرى، لتجمع ذاك الشتات الرهيب في نهاية اليوم وتحتضنه فوق صدرها وتنام، تنام بعينين شبه فائقتين ترقباً لأحداث الغد، لتستمر الحياة رغماً عن أنف الواقع.
اليوم هذا الابن المنحرف شاب في عقده الثاني، أي في نفس مرحلتها عندما طلقت من أبيه، رغم بذل كل الأسباب لم يتم تعليمه، لا يعمل، يرافق صحب سوء، ويسلك كل سلوك سلبي، وكل العائلة تأثرت على المستويات، النفسية، المادية والاجتماعية، بسببه، وكأن كل ما ضحت به في عقدين هباء، فانحراف واحد في أسرة، يحطمها كلها.
وهنا نصل لختام الحكاية بسؤال: ماذا فعلت مؤسسات الدولة لمثل هذه الحالات، وهي قليلة، لتحمي كل الأسرة الكويتية؟
ومثلاً لا حصراً، هل وفرت لهم مدارس داخلية، مدنية كانت أو عسكرية، مختصة للتعامل مع اضطراباتهم واستعمالها وتحويلها لإنجاز، أسوة ببقية الدول المتطورة الغنية؟ أم هل تتكفل الدولة بابتعاث هذه الفئة لمدارس خارج الكويت مع متابعة من فريق مختص؟ أم ماذا؟
نحن لا ينقصنا الغنى، ولكن ينقصنا كل شيء سواه.
المشكلة متعددة الضرر: التسرب الدراسي، استغلال قانون دعم العمالة للوظائف الوهمية، العنف والاستهتار في استخدام الشارع وهو ملك للدولة، وغيرهم، فماذا فعلت الدولة لتحيل إنسانا متمردا لمنتج إيجابي في المجتمع يخدم وطنه، غير الوسائل العقابية غير المجدية ولا المنتجة والتي تهدف فقط لتحصيل الأموال من مخالفات القانون أو الحق العام؟!
الشاب الذي أحدثكم عنه، معرض للسجن في أي لحظة، وإن سجلت «سابقة» في صحيفته الجنائية فمكانها الحقيقي العادل هو صحيفة الأب، الذي عاقب أم عياله التي حملتهم وهناً على وهن، بالتخلي عن لحمه، وترك عرضه لظروف الشارع.
عنونتها بـ «حكاية» والحقيقة أنها «جناية»، والمجرمون فيها: مجتمع بعاداته الظالمة، ودولة بقوانينها غير المجدية ولا المنطقية والعاجزة عن التعامل مع واقع يتغير بسرعة مخيفة، وكأنها وضعت لبيئات مثالية، والمجرم الأول: الأب. وقليل من الإنصاف في قراءة القصة، يمنع من الاتهام بالتحامل على الرجل.
المجتمع والدولة متحيزان للرجل ضد المرأة، العادات والقوانين، فأين تجد المرأة محضنها؟! هذا السؤال إجابته في حكايات لاحقة.
وأوجه خطابي لمجلس الأمة، مشرِّع القوانين: مكاتب الخدمة الاجتماعية والنفسية في المدارس عاجزة عن التعامل مع هذه الحالات، ومكتب الإنماء الاجتماعي يقوم بدور مهم جداً بالدعم النفسي والاجتماعي والسلوكي للحالات المذكورة، ولكن لاستكمال منظومة الحل، يجب إنشاء مدارس لأولئك، ليستفيد منها كل كويتي من تلك الفئة وتطويعه للنفع والخير والإنجاز، أليست هذه المواطنة الصالحة، أم تريدونها وجبة تتلذذون بها وهي تقدم لكم على أطباق فضية وبلا القيام بأدنى دور في إعدادها؟!
كل ما تفعله الدولة يدخل في خانة «الترهيب» لفرض المواطنة!
ولذلك يجب ضخ عقول مختلفة في إدارتها لا تفكر فقط بالعقاب وتبدأ بالثواب والترغيب، فماذا نريد بأذى المواطن ما دامت لدينا وسائل إصلاحه؟ فقط الأمر يتطلب إخلاصا ومشروعا، وهنا قدمنا المشروع ويمكن الاستفادة من تجارب الدول السابقة في هذا المجال، وبقي المنفذون المخلصون.
يجب أن تتحمل الدولة ذات الفوائض المليارية مسؤولية استخدام طاقات مواطن «غير عادي» وتجعله مشروع وزير، بدلاً من نزيل عنبر في مؤسسة الأحداث بسبب مشاجرة، ثم سجين مؤبد، أو إعدام، بسبب قتل نفس بريئة بمجمع في يوم عيد!