كتاب سبر

غيم إِز أوفَر!

مطر …مطر …مطر
انهمرت ذائقة السياب “بأنشودة المطر”،  فاستقبلها وقتها ” مجرى أحاديث” العربان بدون الحاجة الى”شبكة صرف مجارى”،  كان وقتها غيث الكلام ندياً, يهطل بشدة , فتسيل منه وديان مشاعرهم لتفيض فراتاً يسحق كل مدن بيوت شعر المتنطعين.
وكانت ” الأوآآآه ” تغرقهم  فى ” بحور شعرها ” من دون أن يمدوا يداً ولو لمرة واحدة  ” لطفاحات ” المجاز “، وكانوا كلما  لفظتهم أمواج المعاني نحو شطآن موانئ التصاوير ,يهربون من سكرة النشوة ,ليأووا الى جبل لحظة يعصمهم من طوفان “العبرات ” فيضحك الجبل مغازلاً مرسى الميناء , وترمي الموانئ وردة ابتسامة تحت سفح الجبل تاركين إياهم صرعى لعشق طوفان العبر, لينحر الطوفان العاشق , اضاحى اشتياقه على مذبح  أشواقهم , ويضمنهم ضمة الشوق الى المشتاق , كان طقس المشاعر وقتها غائما ” جزلياً” بالسياب وكانت رياح الإعجاب ,عواصف دمع  ,لا شرقية ,ولا غربية ,خير عين نسائمها ” الوسن ” .
بعد السياب, لم يعد مطر بلاد العربان أنشودة فرح ترصد نجوم سعدها , بل صار مناشدة أرصاد جوية لتوخي الحذر , ولم تعد أسئلة ماء الثريا تُخجل عذارى أجوبة الثرى فتتلحف حياءً بردائها الأخضر ,بل صارت الأسئلة سيولاً هادرة  تفتح فاه إجاباتها لتبتلع كل خطط الطوارئ , كما يبتلع ” القرش ” قلب البخيل ! , تبتلعها ثم تتجشأها فى وجوه العربان رائحة فضائح تحكي عطر الهدر الكريه! , لم يعد المطر ينشد امام آل يعرب  أبيات ” السيح ” فيطربون ويصفقون قائلين : الله ,,لله  يا “غرام ” , أعطه الف ” جلنار ” ,تفتحت بتلات يواقيتها , فى عيد ” فيروز “,وقطف رحيق مسكها ,بحد سيف أجفان  الظباء .
لم تعد الأمطار, كألامطار وليست أنشودة مطر السياب , كأنشودة مطر حكوماتنا ,فتلك نَظمُ السياب وهذه نظامها ” سيب وأنا أسيب ” الذى  لا تجيد غيره قريحة حكومات العربان ! .وقصيدة السياب موزونة على بحور الشعر أما قصيدة حكوماتنا فمسجونة داخل إبتسامة” صحراء ” وشعرها ” المليارى” المجنون يسافر فى كل الدنيا يا…ولدى ! . قصيدة طرقها على باب أمالنا مسدود ,مسدود يا ولدى . قصيدة أولها كفر تنموى “نسمع عنها وما نشوفه ” الا عند تذوقنا لماء الخطابات الأجاج ,أو عند تمشينا على ضفاف حبر “المانشيتات” الأسود, أو فى حال ,فتحنا مجاهدين  لأرض تلفاز حكومى, فَرضَ علينا بعد الفتح جزية مشاهدته قسراً!.
أخيراً ,يبقى سؤال السياب فى قصيدته والذى يقول : أتعلمين أيَّ حزنٍ يبعثُ المطر؟…وكيف تنشجُ المزاريبُ إذا انهمر؟….وكيف يشعرُ الوحيدُ فيه بالضياع؟ لا جواب له هنا فى بلاد العربان مع الأسف الشديد فهو يتحدث بلغة “الغيم” ,ونحن لم نتعلم من حكوماتنا الا لغة الـ” غيم إز أوفر “.. وشتان ,شتان بين غيم وغيم !