رسالتي / حماة 82 والعقلية الأميركية
عبدالعزيز صباح الفضلي
إذا أردت التعرف على سبب تقلب السياسة الأميركية وتغيرها تجاه النظام السوري، من التهديد والعمل على توجيه ضربة عسكرية – خاصة بعد استخدامه للسلاح الكيماوي – إلى الترحيب بالنظام والثناء عليه بعد قبوله بالتخلص من سلاحه الكيماوي، برغم استمرار قصفه للأحياء السكنية وقتله للأبرياء، فما عليك سوى أن تنظر إلى تاريخ السياسة الأميركية ومواقفها السابقة منذ عشرات السنين للقضايا المتعلقة بالشعوب الإسلامية.
فستجد أنها في أضعف حالاتها تكون متخاذلة عن نصرة حقوقهم، وفي أعلاها متآمرة ومخططة بل ومشاركة في قتلهم وسفك دمائهم.
لقد عرضت قناة الجزيرة قبل أيام برنامجا وثائقيا تحدث عن مجزرة حماة التي وقعت في فبراير 1982 في عهد الرئيس السوري السابق حافظ الأسد.
حيث اتبع الأسد الأب في تعامله مع معارضيه في مدينة حماة سياسة الأرض المحروقة، إذ قام النظام بتطويق المدينة وقصفها بالمدفعية ومن ثم اجتياحها عسكرياً وارتكاب مجزرة مروعة استمرت 27 يوما، كان ضحيتها ما بين 30 إلى 40 ألفاً من المدنيين من أهالي المدينة، بحسب تقديرات اللجنة السورية لحقوق الإنسان.
والشاهد في الموقف هنا هو ما عرضته قناة الجزيرة وخلال جمعها لمادة الحلقة حيث وجدت تقريرا أعدته الحكومة الأميركية بتاريخ أبريل 1982 أي بعد وقوع المجزرة بشهرين فقط يتحدث عن تفاصيل تلك المجزرة وأعداد المعارضين للنظام السوري وأماكن تجمعهم، وأعداد الضحايا الذين سقطوا.
والسؤال هنا لماذا لم تدان الحكومة الأميركية هذه المجزرة برغم توافر كل هذه المعلومات لديها؟ الجواب هو الرضا والقبول من طرفها عن تلك الجريمة، فالضحايا مسلمون معارضون لنظام كانت حريصة على بقائه لضمان حماية حدود إسرائيل.
وأمام هذه الحقائق لا بد من التأكيد على أمور منها:
ان انتظار الفرج للقضية السورية واسقاط نظامها على يد أميركا والغرب إنما هو وهم كبير، لأنها دول لا تتحرك إلا وفق مصالحها الدنيوية ومنطلقاتها الدينية، وغالبا ما تتعارض هذه مع مصالح المسلمين.
والأمر الآخر وهو أن تحرك الحكومات العربية لاسقاط النظام السوري إنما هو وهم أكبر، والسبب أن هذه الدول تسير سياستها غالبا وفق الهوى الأميركي أو تحت ضغوطاته، والأمر الثاني أنها لا تريد تحقيق مكاسب للحركات الثورية خصوصا الاسلامية منها كما هو الحال في سورية، حتى لا تنتقل التجربة إلى بلدانهم.
إذاً كيف السبيل لحل الأزمة السورية وإسقاط نظامها المجرم مع هذا التخاذل العالمي؟ بلا شك أن الحل بعد الله هو بيد الشعب السوري ومن ورائه الشعوب الإسلامية الحرة، التي كان لها الفضل بعد توفيق الله في صمود الثورة إلى يومنا هذا برغم ضعف الدعم العربي في مقابل قوة الدعم الذي يتلقاه النظام السوري من روسيا وايران وحزب الله.
ولعل هذا الصمود الجبار للشعب السوري أمام آلة القتل والتدمير التي يملكها النظام وتحقيق الثورة السورية مكاسب جديدة على الأرض، هو الذي أجبر أطرافاً عدة إلى الهرولة وراء مؤتمر جنيف 2، لإيجاد مخرج للقضية السورية يتم فيه الترغيب والترهيب من اجل تقديم تنازلات، ربما يكون منها استمرار بقاء النظام الحالي.
لكن في اعتقادي الجازم أن النصر سيكون حليف الشعوب وإن طال الأمد، ما دامت لم تركن إلى الدنيا ومغرياتها، وما بقيت مستعدة لتقديم التضحيات، وأما النظام السوري فمصيره إلى الزوال بإذن الله إن عاجلا أو آجلا.
أضف تعليق