وزير.. ورسائل خفيفة الدم
بقلم: ذعار الرشيدي
تقاعد أحد المسؤولين قبل سنوات، وانتهت علاقته بالعمل الحكومي منذ تقاعده، وظل رقمه مخزنا في قائمة الاتصال بهاتفي، وكان ذلك قبل غزو الأجهزة الذكية، ولسنوات لم أتصل به، أو أحادثه، بعد أن انقطعت علاقته كلية بالإعلام بل بالمشهد السياسي تماما، وقبل ستة أشهر بدأت ترد على هاتفي رسائل واتساب من رقم المسؤول السابق، منها شعر ساخر ونكت وصور ومقاطع فيديو فكاهية، واعتقدت ان المسؤول قد غير رقمه أو باعه وأن من يستخدمه الآن مراهق أو مراهقة، لكون الرسائل في معظمها خفيفة الدم و«متجاوزة أحيانا»، وأغلبها لا تتناسب مع بروتوكول شخصية المسؤول الذي أعرفه، وتركت الرقم ولم أمسحه أو أقم بحظره، واستمر هطول رسائل الواتساب الساخرة و« المتجاوزة»..
ومن عادتي أن أبعث بمقالي اليومي الى كل من هو مسجل على لائحة الاتصال لدي عبر الواتساب، وأمس جاءني اتصال من رقم المسؤول، وكنت أعتقد ان صاحب الرقم، كما ذكرت، شاب صغير أو شابة، إلا أن المفاجأة أن المتصل هو المسؤول الثقيل السابق، ودخلت معه في حوار طويل عن أوضاع البلد والحكومة الجديدة وتوقعاته عن المجلس والاستجوابات وأوضاع المنطقة، وخلال حديثي معه واستماعي الى تحليلاته كنت أتساءل بيني وبين نفسي: كيف يمكن لمسؤول ثقيل جدا ويمتلك هذه الرؤية التحليلية الجميلة أن يكون هو نفسه صاحب رسائل الواتساب «المتجاوزة» و«الخفيفة»؟!
ترددت كثيرا قبل أن أساله: «بوفلان.. بصراحة أستغرب من رسائل الواتساب التي تبعثها يوميا وأنت يمكن أن تعود الى المشهد السياسي، ألا تخشى ان تؤخذ عليك أو أن تفهم خطأ من المتلقين خاصة أنك ترسلها إلى الكل بلا استثناء»؟!
في الحقيقة لم أتوقع إجابته عندما قال: «أولا إن كنت تعني الرسائل الخفيفة الدم والمتجاوزة التي أبعثها من انها قد تؤثر على صورتي أمام الآخرين وبالتالي قد تؤثر على فرص عودتي الى الحكومة او المشهد السياسي بأي شكل، فأنا لم أعد مسؤولا بل مواطن عادي، وعليك أن تعي حقيقة أن أي مسؤول يخرج من الحكومة لا يمكن ان يعود إليها إلا بمعجزة».
أما أجمل ما قاله في تعليقه فهو: «الوزراء والقياديون في الحكومة سواء كانوا على رأس العمل أو تقاعدوا يبقون متهمين في نظر الجمهور.. ولن يثبت العكس، فرسالة واتساب لن تزيد أو تنقص شيئا».
توضيح الواضح: بالمناسبة أغلب الوزراء والقياديين الذين أحتفظ بأرقام هواتفهم، عندما يخرجون من التشكيل الحكومي ويعودون مواطنين عاديين تصبح رسائل الواتساب التي يرسلونها خفيفة الدم، والأهم ان أغلبهم يصبح معارضا للحكومة وينتقدها بشدة.
أضف تعليق